كمال حسن بخيت
إن ذكرت كسلا ذكرت جبالها.. وإن ذكرت الأبيض ذكرت رمالها وإن ذكرت الخرطوم لاح نيلاها اللذان يمثلان لها حاجبا مقرونا.
وما ذكرت الصحافة السودانية إلا وبان من بين سطورها وفي روائح أوراقها الأستاذ الكبير كمال حسن بخيت بإرث لا ينكر وسيرة جهيرة صاحب فيها القلم والحروف (بت الألم) ما قال (الآه).
زرته بمعية الأخ الأستاذ ود الشريف لما علمنا أنه قد لزم السرير الأبيض في رويال كير وفضيل على التوالي، فرأيت في عينيه حزنا وعتابا لأجيال من الصحافيين تتلمذوا على يديه لم يتكرموا بزيارته ولا المهاتفة حتى الذين كان لهم مصعدا وكفاهم السلالم.
لا نذكّر الناس به فمثله لا ينسى، لكنا نأسى على غياب الوفاء عند قبيلة الصحافة وأنه لا يبين إلا عند الوفاة، لما ترى الأحبار تهرق حتى ترهق القارئ عن فلان الذي كان. ولقد عايشت ذلك عن قرب مع الأستاذ أبو آمنة حامد وكيف كان ساخرا وساخطا لدرجة القهر ممن حسبهم ظهرا حتى ضن عليه أحدهم بقلم (بِيق) فمات وبقاقة الحسرة في قلبه.
كسا الله أستاذنا كمال ثوب العافية.. ونذكر أن بيته في الثورة أم درمان قريب وصله لمن لم يسمع يبقى اتصالا بحبل الصحافة الذي فتله الأستاذ عضلات للقلم والمداد فخشيت. صفحات المنوعات التي يكتبها كمال حسن بخيت نسيج وحدها فهي حقل تفاح وحقل ألغام متجاوران.. وما دخل أحد عليه إلا وخرج بقصة أو رواية تستحق أن تسير مانشيت يسهر الناس جراه ويختصمون.
ويا.. بأيام الأستاذ في بغداد وبيروت وما بينهما حينما كانت الدنيا حتي في حروبها بخير.. بغير هذا القبح وبدون هذا الصبح الذي يشبه حالك الليالي وديكه يعوعي وبصلتو يحمروا فيها.