مؤمن الغالي : لا…. ياصديقي عووضة
الحبيب الغالي جداً صلاح عووضة..
أشواقي لك لم تفتر.. لمجالسك العامرة.. لأنسك الرائع.. لجسارة فيك أحبها.. لوطنية تغمرك أتمناها وأحسدك عليها.. لسهام صدئة تحمتلها في جلد وهي تنتاشك عند منعطف كل طريق..
ثم.. أنا عاتب عليك.. بل غاضب منك.. وأنت نكتب أمس الأول عن أحبابنا وأحبتنا الجنوبيين كلمات وداع شامتة.. وأنا أعذرك فأنت مثلي غاضب تماماً من رحيلهم عنا وانفصالهم عن وطننا ووطنهم الجميل السودان.. تكتب عنهم (بعد إيه) تلك الأغنية التي ترفض الاعتذار والعودة إلى المحبوب.. أعلم أنك (زعلان) من رحيلهم وإنشاء دولتهم الخاصة.. وأعلم يقيناً أن كلماتك فقط من لسانك ما من جوه قلبك.
الحبيب عووضة..
أن اليوم في قمة الأسى أفترش الحزن وألتحف الفزع وأفق (جوبا) يشتعل بالجحيم.. أصبحت في (العيد) مثل المتتنبيء وهو يشدو أصخرة أنا مالي لا تحركني هذي المدام ولا هذي الأغاريد . لقد مسّخ المتحاربون الأشقاء علينا (العيد).. ومن أين يأتي الفرح والرصاص المجنون يخرق صدور النساء والأطفال والإخوة.. من أين الفرح والدولة الوليدة يبحر مركبها في بحر من الدماء.. من أين الفرح والرصاص يتطاير في الفضاء وكأنه شظايا نيزك أنفجر.
حبيبنا عووضة..
أنا أعلم أن الانفصال الذي زلزل أركان روحي هو ثمرة مرة من ثمار أشجار زرعناها سوياً نحن هنا في الشمال وهم هناك في الجنوب.. لقد عاندنا وعاند الإخوة الجنوبيون التاريخ والجغرافيا.. وهاهو التاريخ يهزمنا ويهزمهم وكذا الجغرافيا.. لقد ارتكبنا نحن في الشمال سلسلة جهنمية من الأخطاء والخطايا.. فكان الانفصال الحزين وكانت ثمرة الانفصال الجحيم الذي يعم الآن الجنوب.
نعم سوف تصمت البنادق حتماً ولا محالة.. وسوف تخرس المدافع طال الزمن أو قصر.. وستبرأ جراح الإخوة الأعداء المتقاتلين .. ولكن هل هذا هو الحل السحري.. لا إن الحل السحري والواقعي هو أن يعود الجنوب إلى حضن الوطن مرة أخرى.. أنا متفائل ولست حالماً ولا واهماً كما أني لست (موهوماً) كذا يقول التاريخ.. وكذا تعلمنا من (ألمانيا) تلك التي انشطرت وظلت منشطرة لنصف قرن من الزمان وفجأة وعند عودة الوعي عادت مرة أخرى واحدة متحدة.. ظللتها الوحدة والأمل والمستقبل المشترك رغم أن شطراً منها كان يطلق الرصاص على المتسللين من الشطر الآخر.. هذا ما لم ولن يحدث أبداً بيننا والأحبة الجنوبيين.. فقد كنا نطلق على المجتازين للحدود فيوضاً من الإلفة وأنهراً من الود.
عووضة.. لقد كتبت يا صديقي كلمات إسماعيل حسن (بعد إيه) ودعني يا حبيب أردد مع عثمان حسين لو عاد الجنوبيون إلى حضن الوطن.. جاي تترجاني أغفر ليك ذنبك ما كفاية الشفتو من نارك وحبك.. أنت فاكر تاني أرجع لك وأعاتبك .. لا لا.. يا هاجر دربي أصبح ما هو دربك.. وبرضو صالحتك لحبي ما لأجلك.. للمعاني الكنت بنظم فيها حولك.. والحقيقة كل أملي أبقى جنبك.. أصلي بعدك ما هويت ولا حتى قبلك.
فارق لا تلم .. رحم الله الفنان احمد المصطفى وامد فى عمر الصحفى الطيب مصطفى