الأطفال.. ثروة مهدرة على رصيف الفقر.. ضياع المستقبل
لا عجب أن يكد الإنسان ليبدع مصادر لقوته، بعض هذا المصادر يظل مألوفاً والبعض الآخر يثير الدهشة والاستغراب وربما التعاطف. هذا بالطبع معني به الإنسان الراشد المكلف أما إذا كان من يعمل بكد أو بدونه طفلا لم يبلغ الحلم بعد مكانه الطبيعي المدرسة كغيره من هم في عمره فيتضاعف الأسى والحسرة ويصير العمل الذي يؤديه غير مقبول مهما كان شريفا أو مناسبا لسن الطفل وفقا لقواعد ونظم قانونية تُجرم وتحرم عمل الأطفال.. ويتجاوز هذا العمل دائرة الرفض العادي ويصير جرما لو أن الأطفال مستقبل الأمة وعمادها صارت مهنتهم في مثل هذه الأيام التي فتحت فيها المدارس أبوابها هي جمع القمامة والبحث بين الأنقاض عن المهملات لبيعها حتى يتمكنوا من سد رمق جوعهم وأسرهم.
مبدع محرمة
كل صباح يرى المرء عشرات الأطفال لم يذهبوا إلى مدارسهم التي فتحت أبوابها هذه الأيام، بل يتقاطرون بين الأزقة ينبشون أكوام القمامة ليعثروا على طعام يلتهمونه في الحال أو على ما يصلح للبيع.. هؤلاء الأطفال كسبوا تعاطفاً مجتمعياً زج بهم في خانة ضحايا الأوضاع المعيشية الناتجة عن الحال المائل الذي يكتوي بناره قطاع واسع من المجتمع في السنوات الأخيرة.. ولا شك أن التعاطف مهما ارتفع مستواه لن يجعل هؤلاء يحيدون عن مهنتهم ما دام التعاطف وحده لا يسد رمق بطونهم المتضورة جوعاً وحلوقهم الظمأى ولهذا يتواصل بحثهم عن قوتهم في القمامة ويضيع مستقبلهم وهو في الوقت ذاته مستقبل السودان كله.
* تشابه المعاناة
معاناة أطفال القمامة ـ كما اصطلح على تسميتهم شعبياً ـ لا تقل عن معاناة أطفال آخرين يهدرون طفولتهم في الرعي أو الزراعة أو أعمال هامشية أخرى تجبرهم على الوقوف تحت الشمس في الأستوبات وأمام المؤسسات ليشتري منهم المارة لا بدافع الحاجة لبضائعهم التي يعرضوها، بل بوازع ونية الصدقة الخفية. فهؤلاء وأولئك جميعهم ضحايا لأوضاع معيشية لا تقبل وصف غير أنها ضنكا بحسب (يعقوب سليمان) الذي يرى أن الواجب يبقى ليس مساعدتهم بشراء ما يعرضونه أو السماح لهم بنخر القمامة التي يتم التخلص منها أمام المنازل، بل بإعادة الأوضاع العامة إلى نصابها ليستردوا كرامتهم المعيشية المهدرة ويلحقوا كغيرهم بفصول التعليم.
* شغب طفولي
الجهد الذي يهدره أطفال القمامة في البحث عن كنز بين الأكوام المتكدسة يقتل فيهم الرغبة في مزاولة أنشطة أخرى كالذهاب للمدرسة مثلاً أو القراءة، على حد وجهة نظر (يعقوب سليمان) ويعتقد أن الدوافع التي جعلت هؤلاء الأطفال يلجأون للبحث عن قوتهم في أكوام الأوساح هو دافع قوى وملح وبالتالي فإنه دائماً يطغى على بقية الاهتمامات فيقتلها أو يؤجلها لوقت آخر فتظل مؤجلة إلى أن تخرج من دائرة الاهتمام بصورة كاملة. ويؤكد سليمان أن الأطفال الذين امتهنوا البحث عن قوتهم بين أكوام القمامة تجدهم بدأوا هذا النشاط كشغب طفولي ولكنه سرعان ما تحول لحرفة تستهلك وقتهم وجهدهم وسوف تبتلع مستقبلهم إذا لم تسر الأوضاع العامة نحو الإصلاح.
الخرطوم- نسيبة محجوب
صحيفة اليوم التالي