محمد لطيف : سالفا ومالونق.. من يطيح الآخر
أن تكون سيارة الرئيس سالفا كير الشخصية المصفحة هي التي أخرجت الدكتور رياك مشار من قصر الرئاسة إلى مقره بجبل كجور نهار السبت حين تفجرت الأوضاع واندلعت المواجهات في محيط القصر الرئاسي.. وأن يكون الحرس الخاص للرئيس هو الذي رافق نائبه حتى بلغ مأمنه في معقل أنصاره.. فلا يعني غير شهادة براءة لصالح سالفا كير.. في مواجهة اتهامات بالتآمر على اتفاقية السلام التي لم يجف مدادها في ذلك البلد الحديث نسبيا.. وربما تدحض هذه الوقائع كذلك ما راج عن أن الانقلاب على الاتفاقية.. وعلى نائب الرئيس قد تم ترتيبه خلال زيارة الرئيس الأخيرة ليوغندا ولقائه بالزعيم اليهودي نتنياهو..!
تصور البعض أن انفجار الأوضاع في جوبا في هذا الوقت تحديدا لهو ذو صلة مباشرة بزيارة الرئيس ليوغندا.. وأنه أي الرئيس قد استصحب من هناك التجربة الإسرائيلية في ضرب عرض الحائط بكل قرارات الأمم المتحدة وبتوجيهات المجتمع الدولي.. بل وبتحدي إرادته.. وهذا يفسر انتهاك وقف إطلاق النار بدم بارد.. بل وإهالة التراب على اتفاقية السلام.. ولكن البعض الآخر يذكرنا.. مع التأكيد على براءة سالفا كير.. أن الأخير لم يكن وحده هناك.. أي في يوغندا.. بل كان معه الجنرال مالونق.. وزير الدفاع المثير للجدل.. وأنه هو شخصيا لا سالفا كير.. هو صاحب نظرية نسف اتفاقية السلام والتخلص من الدكتور رياك مشار وكبار ضباطه في ضربة خاطفة تحقق هدفين في وقت واحد.. تمكين سلطة سالفا المطلقة على الدولة.. والأهم من ذلك فتح الباب واسعا أمام مالونق لتحقيق طموحاته الشخصية.. التي يعتقد مالونق أن مشار وحده هو الذي يقف عائقا دون بلوغه إياها..!
ولعل الذي يؤكد ضلوع طرف ثالث ومؤثر في ما يجري في جوبا الآن.. هو ذلك التصعيد الغريب الذي شهدته الأحداث والوتيرة المتسارعة التي جرت عليها.. ثم كان الاستهداف الشخصي للدكتور مشار واضحا.. حتى أن معلومات تؤكد أنه قد اضطر لمغادرة جوبا تماما لعدة ساعات.. ثم عاد بعد اتصالات مكثفة رباعية الأطراف.. ارتكز ركنها الأساسي عند الرئيس البشير في الخرطوم ثم الرئيس سالفا كير في جوبا ثم بعثة الأمم المتحدة في جوبا ثم الدكتور رياك مشار في مقره المؤقت خارج جوبا قبل أن يعود إليها مرة أخرى.. ونجاح الخرطوم في إعادة مشار إلى جوبا كان مدخلا لتطوير ذلك الدور إلى مهمة اكبر تتمثل في جهود احتواء الأزمة وإنقاذ اتفاقية السلام.. وإعادة إشاعة الأمل في أن تعود دولة جنوب السودان إلى حالة الاستقرار المؤمل..!
والمعادلة تبدو معقدة.. ولكنها تظل معادلة الأمر الواقع.. فالحديث عن صلة ما بين الخرطوم والدكتور رياك مشار لم ينقطع.. ولكن الحقيقة التي تقابل ذلك هي أن الدكتور مشار بثقله السياسي والعسكري والقبلي وزن لا يمكن لسالفاكير أو أي حاكم في جوبا أن يتجاوزه.. وبالتالي فلا مناص من التعامل مع مشار بكل علاقاته وتقاطعاتها.. هذه مقروءة أيضا مع علاقة الخرطوم بجوبا الرسمية وسلطتها الحاكمة التي لا فكاك لها من التعامل مع البشير لاعتبارات كثيرة.. منها السياسي والعسكري والأهم من كل ذلك الاقتصادي.. وإزاء هذا المشهد.. وبعد المشهد العبثي الذي ران على جوبا طوال الأيام الماضية يبدو أن سالفا لا خيار أمامه غير مراجعة تحالفاته.. وإعادة حساباته.. سيما وأن تعبان دينق الذراع القوي لرياك مشار صار محل ثقة سالفا كير أيضا.. مما قد يشجعه على تقليص صلاحيات مالونق إن لم يكن تجريده منها بالكامل..!