الشيوعى .. الحزب العجوز فى مواجهة أزماته
يجمع المراقبون للمشهد السياسى فى البلاد على أن الحزب الشيوعى يعيش فى أحلك المراحل بعد أن بلغت الصراعات بين تياراته ذروتها، وفشل رهاناته للوصول الى السلطة عبر القوة والعنف السياسى وايضا فشل رهانه على الضغوط الخارجية.
كان الحزب الشيوعى السودانى يعتبر من أقدم الأحزاب اليسارية فى الشرق الأوسط وأفريقيا مع ذلك، ورغم تاريخه السياسى العريق يظل اليوم حالة نادرة فى الحياة السياسية للأحزاب فى البلاد، وتعكس وثائق أعدت لتقديمها أمام المؤتمر العام الرابع للحزب الشيوعى بمديرية الخرطوم والمزمع عقده فى الفترة بين 14-16 من يوليو الجارى مدى التضعضع الذى آل اليه راهن هذا الحزب على مستوى الخطاب السياسى والمواقف والأجندة السياسية.
إن المؤتمرات التأسيسة بالنسبة للأحزاب تعتبر مناسبات لقياس مدى تطور هذه الأحزاب ومدى الرشد السياسى لهذه الأحزاب وقرتها على الإنتقال من مربع المعارضة الهدامة والعبثية الى مربع الأجندة الوطنية، ولكن الحزب الشيوعى خلاف ذلك تماماً.
خيارات خاسرة
على الرغم من وطأة تلك الأزمات والتحديات، لا يبدو أن الحزب يتعلم من دروس الماضى شيئا، إذ تصر قياداته الحالية رغم فشل كافة التكيتكات والخيارات السياسية التى أتبعتها فى الماضى، على المضى فى تلك الخيارات الخاسرة، برفضه الفرص لمساعدته على تبنى نهج جديد ومغاير.
وخير مثال لذلك موقف الحزب من الحوار الوطنى لكنه أختار التمترس وراء الإشتراطات المسبقة ليخفى موقفه الرافض للحوار السياسى والذى يعتبر بمثابة طوق نجاة للاحزاب التى فشلت فى فرض أجندتها بكافة السبل، ولقد ترجم الحزب موقفه المعلن من رفض كافة الحول السلمية والتفاوضية للقضايا الوطنية التى ضمّنها خطابه السياسى الذى سيقدم أمام مؤتمر مديرية الخرطوم فى يوليو الجارى، حيث أصدر فى السادس من يوليو الجارى بيانا أكد فيه رفضه لما أسماه خيار “الهبوط الناعم” الذى تطرحه بعض الأطراف الخارجية.
ملامح التسوية
وجاء البيان الآتى (تتسارع هذه الايام خطوات المجتمع الدولي “امريكا وحلفائها” نحو التسوية السياسية التي تقوم على “الهبوط الناعم” التي تبقى على جوهر النظام وسياساته الاقتصادية والقمعية، مع التغيير الشكلي في رموزه، مما يخدم اهداف ومصالح المجتمع الدولي في المنطقة والتعاون الامني مع النظام، وذلك عبر الضغوط على قوى المعارضة للتوقيع على خارطة الطريق التي تهدف الى الحاق المعارضة بحوار “الوثبة” واجراء حوار مخدوج ).
ويعكس هذه الموقف الجديد للحزب المواقف السياسية المعهودة للحزب العجوز، كما يشير ايضا الى اتجاه الحزب لتبنى خيارات تتسق ومواقفه المألوفة، خاصة مع إقتراب ملامح تسوية دائمة يجرى الحديث عنها فى أوساط حلفاءه بالخارج و فشل محاولات إدخال ملحق على “خارطة الطريق”.
وتكشفت الوثائق الداخلية للحزب الشيوعى حقيقة مواقفه من عملية الحوار الوطنى، إذ يرفض الحزب أى شكل من أشكال الحوار ويتمسك بطرح إسقاط النظام، ولذلك أختار لمؤتمر مديرية الخرطوم شعارا (حزب شيوعى طليعى لإسقاط النظام!) مع عجزه المستديم فى تحقيق هذا الشعار!!.
صراعات داخلية
ويفسر بعض المتابعين للمشهد السياسى بالبلاد مواقف وخطابات الحزب الشيوعى الى الصراعات بين تيارات الحزب، ويرى هؤلاء أنه فى الوقت الراهن يبدو الصراع محتدما بين تيار الحرس القديم أو التيار المحافظ والذى يجسّده مناصرو السكرتير الحالى للحزب فى مواجه تيار التجديد والإصلاح الذى يقوده الدكتور الشفيع خضر.
ويرى مراقبون، أن تيار التجديد والاصلاح يتبنى أطروحات من شأنها قلب الأوضاع داخل الحزب العجوز رأسا على عقب، لذا يجد هذه التيار مقاوما عنيفة من القيادة الحالية للحزب، والتى وصل الى حد تأجيل المؤتمر العام للحزب وإعطاء الأولوية لشيطنة تيار الشفيع خضر على ما عداه من أولويات!.
ويمكن القول أن الحزب الشيوعى يعيش فى هذه الفترة أكثر الفترات تأزما فى تاريخه، فإلى جانب الصراعات بين تياراته المتنازعة حول مستقبل الحزب وتوجهاته السياسية و الآيديولوجيا، وجدل التجديد والإصلاح، يئن الحزب تحت وطأت فشل سياسى ذريع فالحزب ظل لعقود فاعلا فى المعارضة بالخارج وحليفا للحركات المتمردة، كما أنه يقود المعارضة بالداخل، وهو أيضاً ظل جزءا من كل التحالفات السياسية والعسكرية التى تظهر ضد الحكومة مع ذلك لم يحقق شعاراته.
مؤتمرات مؤجلة
وتكشف الوثائق الداخلية للحزب والتى يتم تداولها بين الفينة والأخرى بعض جوانب المأزق الذى يمر به الحزب العجوز، حيث يعكس الخطاب السياسى المزمع تقديم أمام المؤتمر الرابع لمديرية الخرطوم أهدافه وأجندته التى يسعى لتحقيقها، وكذلك حقيقة المواقف السياسية للحزب ونظرته لحلفاءه فى الساحة السياسية والتكيتيكات التى يتبع للبقاء فى الساحة.
ومع ذلك – وتحت وقع الصراع المحتدم بين تيار الذى يقوده الدكتور الشفيع خضر فى مواجهة التيار المهيمن على مقاليد الحزب والذى يقوده السكرتير الحالى محمد مختار الخطيب- يعجز الحزب حتى الآن فى عقد مؤتمره العام السادس أو تحديد موعد قاطع له، وقد تأجل عدة مرات.
قيادة المعارضة
ظل الحزب الشيوعى على الدوام يسعى للهمينة على المعارضة لاسيما التحالفات التى تتشكل، مدفوعا بتاريخه الطويل فى العمل السياسى المعارض من جهة، وإستغلاله للقضايا والواجهات وتوظيفها لخدمة أجندته من جهة أخرى.
وبحسب الوثائق تم تداولها مؤخرا، فقد أنتقد الحزب الشيوعى تجربة تحالف “قوى الإجماع الوطنى”، كما دعت للتركيز على (التكيكات وليس التحالفات) وأن هذا التحالف هو (تحالف فوقى غير مجدى) وأن على الحزب (ضرورة توضيح (تنظيمات المقاومة) بناء تحالف نداء السودان (تنسيقي) لإسقاط النظام أم قوى الاجماع الوطنى (تكتيكى)) كما قالت الوثيقة عن التحالف بأنه (تحالف الضعف لايكسبك قوة).
وأما رؤية الحزب للأحزاب الأخرى فتقول الوثيقة مثلا أن (الصادق المهدى يمكن فى لحظة أن يتصالح مع النظام، والميرغنى الآن مشارك فى السلطة، والحركات المسلحة اقرب للنظام” وأرجعت الوثيقة فشل هبة سبتمبر2013 (لوجود عناصر من أحزاب أخرى).
لمواجهة الصراعات الخارجية والفشل السياسى المتراكم، ومن أجل التغطية على التحديات التى تواجه الحزب العجوز، تسعى قيادة الحزب للإمساك بزمام المبادرة فى العمل المُعارِض بجانب العمل وسط القطاعات الجماهيرية دون التقيد بأطر التحالفات القائمة.
العنف السياسى
لقد أدمن الشيوعى إستخدام العنف وأرتبط الحزب بالعنف عقيدة وسلوكا سياسيين، كما كشفت وثائق للحزب الشيوعى المشار اليها عن دور كبير للحزب فى تأجيج العنف الطلابى بعدد من الجامعات مؤخرا و قيادة سلسلة من الأحداث وتوجيهها لخدمة أجندته، وكوّن الحزب رسميا لجنة أطلق عليها “لجنة الطوارئ” والتى تولت إدارة الأحداث بالبلاد مؤخرا أبتداءا بإحداث العنف بالجامعات وسردت وثائق للحزب الإجراءات التى قام بها لتأجيج العنف.
الفشل السياسى
وضع الحزب العجوز خطة محكمة لخطابه السياسى للمرحلة المقبلة فى الخطاب السياسى الذى سيقدم فى مؤتمر المديرية هذا الشهر وتقوم الخطة على خلق علاقات مع أسر ضحايا أحداث سبتمبر وإشراكهم في أى عمل جماهيري والتواصل مع المعاشيين والمفصولين وكذلك العمل وسط النقابات ومنظمات المجتمع المدنى وإستغلال الإحتجاجات وأىّ تحركات جماهيرية وقيادتها نحو أجندة الحزب، وعدم الرهان على الأحزاب التى ليست جادة فى إسقاط النظام.
ويرى بعض المحللين إن لجوء الحزب الشيوعى ورهانه على إستغلال بغض التحركات والأحداث العابرة- بعد أن كان يراهن على التحالفات والضغوط الخارجية وإستغلال الحركات المتمردة- يعكس مدى الفشل فى خيارات الحزب السياسية.
إن تبنى الحزب الشيوعى خيارت سياسية تبدو خيارات إنتحارية أو خاسرة كشعار إسقاط الحزب ولوم الأحزاب التى لا تعلن صراحة أن من اهدافها هذا الخيار، يعتبر مجرد رفع لسقف مطالب الحزب.
الصراعات الداخلية
لقد أدى تراكم الفشل خسارة الرهانات والخيارات التى قام عليها مواقف الحزب الى بروز الصراعات الداخلية، وكذلك تآكل قدرة الحزب فى الإستقطاب والتجنيد فالخطاب والآيديلوجيا الماركسية لم تعد جذابة، كما أن القطاعات التى ظل يعتمد عليها كقواعد جماهيرية كالعمال لم تعد ولاءاتها حصرية للحزب كما كان فى الماضى. ولذا قررت الحزب الشيوعى العودة الى “الطبقة العاملة” حيث حدّد حاجته لكوادر متفرغة بالمناطق الصناعية الثلاث بالخرطوم وناقش المكتب السياسي الأمر ووافق عليه.
وكمظهر من مظاهر الصراعات الداخلية تآكل مؤسسات الحزب، جأر قياديون بالحزب بالشكوى من مشاركة بعض القيادات فى إجتماعات قوى الاجماع الوطنى والتحدث بإسم الحزب دون تحديد الجهات التى كلفتهم، حيث تقرر-وفقا للوثائق- جمع المعلومات حول هؤلاء القادة وكتابة بلاغات ضدهم لدى مؤسسات الحزب.
وثالثة الأثافى، أن الحزب العجوز بات يعانى من ظاهرة “الغواصات” التى تسببت تعطيل العمل التنظيمى وحتى قيام المؤتمر العام للحزب، بجانب تغذية حدة الصراع بين تياراته، ولوضع حد لهذه الظاهرة أوصت سكرتارية الحزب بمديرية الخرطوم (بإعادة بناء جهاز الحزب السرى من الفرع وحتى المدينة!!).
مشاركة 1 تغريدة 0 مشاركة 0
SMC