فكرته تقوم على مقايضة زيجة بزيجة أخرى زواج البدل.. صفقة يجرفها تيار الخلافات
زوج: تزوجت ابنة عمي لكي تنعم أختي بالحياة الزوجية مع شقيق زوجتي.. ولكن!
زوجة: هذا النوع من الزواج يحرم المرأة أحيانا من حقها الشرعي في المهر
والد: فقد ابني عقله حينما أجبرناه على تطليق زوجته انتقاما لأخته المطلقة
زوجة: هذا الزواج عادات وتقاليد حُكِم عليها بالفشل، وبيع للمرأة واستهانة بحقوقها الشرعية
خبيرة علم النفس والاجتماع: يهدد الأسرة واستقرارها لكن الظاهرة آخذة في التراجع
الفجيعة تمظهرت بصورة كبيرة في ملامح محمد، وهو يعدل جلوسه على كرسيه الوثير، قبل أن يبوح لـ(الصيحة) عن قصة زواجه، قائلا إنه تزوج من ابنة عمه قبل خمس سنوات، وكان زواجه منها عن اقتناع تام بأنها الزوجة المناسبة له من جميع النواحي، خاصة أن طلبه الارتباط بها لاقى قبولًا وترحيبًا من أسرتيهما، ويواصل محمد الذي يبلغ من العمر37 عاماً: تمَّت مراسم الفرح سريعًا، وعشتُ مع زوجتي عامين كانا الأجمل في حياتي على الإطلاق، لم تعتري علاقتنا أي مشاكل تُذكر، أنجبنا خلالهما طفلًا ملأ علينا حياتنا، ولكنَّ (العسل لم يدُم) طويلاً، وزواج البدل هو السبب.
البدل دمّر حياتي
هل سمعت يوماً عن زواج يتم بالمبادلة، أو بمعنى أدق أن يتزوج رجل بامرأةٍ ما ويزوج شقيقته أو ابنته لولي أمر زوجته (والدها أو شقيقها)؟
بالطبع عقدت الدهشة حاجبيك وتحولت إجابتك إلى سخرية من السؤال الغريب فكيف يحدث ذلك في عصرنا هذا، ولكنها الحقيقة التي يجب أن لا نهرب منها. فزواج البدل موجود فعلياً في مجتمعاتنا، وينتشر بشكل واسع حتى أصبح ظاهرة حقيقية.
وبالعودة إلى قصة محمد فإنَّ نقطة التحول في حياته كانت عندما رغب شقيق زوجته في الاقتران بشقيقته، ووافقت العائلتان على ذلك، وتمَّ الزواج، لكنَّ الأمور بين الزوجين لم تسر على الوجه المطلوب، بل تخللّتها مشاكل، ألقت بظلالٍ سلبية على أسرة محمد، ليواصل حديثه لنا ويقول بأسى بالغ، “لما حزمت شقيقتي أمتعتها وجاءت إلى بيت والدي؛ بدأ الجميع بالضغط عليَّ لأردَّ الصفعة لزوجها بأنْ أطرد شقيقته من المنزل”، كنتُ أرفض ذلك بشدة، ونجحتُ في تلافي ذلك مرارًا، وأحيانًا أخرى كانت زوجتي من تلقاء نفسها تترك المنزل حتى تزيل عني الحرج مع أهلي، واستجابةً لضغوطات أهلها عليها، ويضيف محمد بحرقة، إن زواج شقيقتي يمثل لي كابوساً، تتعلق حياتي واستقرارها به رغمًا عني، إلى أن حدثت الطامة الكبرى، يوم أنْ طلق ابن عمي شقيقتي، فأجبرني أهلي على تطليق زوجتي، لقد كان اليوم الأسوأ في حياتي، فقد تزحزح قلبي من مكانه وأنا أراها تأخذ أغراضها وترحل.
ويتابع محمد حديثه لـ(الصيحة)، ووجه يكتسي بكل ملامح الألم، وقال بعد أن كبح جماح دموعه التي أوشكت أن تسكبها عينيه، “بعد أن مرَّ عامٌ على طلاقنا، مازلتُ أشعر بالحزن على فراقها، ولا أرغب بالزواج من أخرى بعدها، ولكنْ لا استطيع إعادتها إلى عصمتي؛ لأنَّ شقيقها يرفض إعادة شقيقتي إلى عصمته، فسُحقًا للعادات والتقاليد التي حطمت سعادتي، ولكل فكرة طائشة كزواج البدل”.
عادة متوارثة
بالتحدث مع نفر كبير من أصحاب التجارب التي تسمى بزواج البدل، خلصنا إلى أنه ليست ظاهرة مستحدثة داخل مجتمعاتنا، بل هي عادة متوارثة سببها الظروف المعيشية الصعبة والحرص على التماسك الاجتماعي والأسري، مما دفع البعض إلى إيجاد خطوات لتحقيق الترابط المجتمعي بالتوسع في علاقات المصاهرة والزواج فيما بين الأسر التي يتم فيما بينها هذا النوع من الوفاق وبالرغم من مزايا ذلك الزواج فإن عيوبه ومساوئه تتجاوز حسناته بكثير ,فقد كشفت التجربة فشل كثير من الزيجات التي تمت تحت هذا المسمى ,حيث أصبح ذلك الزواج بمثابة (لغم) مؤقت قد ينفجر في أي وقت ليطيح بعلاقات الزواج المتشابكة، وقد يدمر أسرة سعيدة هانئة ذنبها أنها أحد أطراف هذا الزواج.
اشترطتُ عدم الربط
اختلف الحال مع عوض الخضر الذي تحدث لـ(الصيحة) وهو يشير إلى تجربة مريرة، قال إنه خاضها عندما أراد الزواج؛ وأضاف: قررت الارتباط بشقيقة زوج أختي، وكنت أخشى ما أخشاه الربط بين الزيجتين، فكان أول ما فعلته هو أن اشترطت على أهل زوجتي كتابيًّا عدم الربط بيننا، (أي الزيجتين)، وألاّ تؤثر أي مشكلة عند إحدى الأسرتين على الأخرى، وقال عوض: رأيتُ وسمعتُ كثيرًا عن زواج البدل ومشاكله، واخترتُ خطيبتي عن اقتناع تام، فكنتُ لا أريد أن يحدث في بيتي ما يحدث في هذه الزيجات، وأنْ أجدني يومًا مضطرًا إلى تشريد أطفالي لهذا السبب، وأضاف: الآن أنا أعيش مع زوجتي حياةً سعيدة، ولا أربط أي شيءٍ بيننا بما يحدث في بيت شقيقتي، وقد حدثت مشاكل لديها، لكن بيتي بقي بمنأى عنها.
تقييد مُلـزِم
نهى إحدى اللاتي تزوجن بتلك الطريقة، تحكي تجربتها الشخصية، قائلة: بسبب وضع العائلة الاقتصادي، لم يتمكن أهلي من أن يتم أخي مراسم زواجه، اتفق والدي مع عمي على تزويج أخي من ابنته مقابل زواجي من ابنه وقد تم وضع مهر كل منا (أي أنا وابنة عمي) كمقدم ومؤخر على الزواج، تضيف نهى: عشرون سنة مرت على زواجنا ومع هذا مازلت أتذكر كيف تم ذلك الزواج فقد ذهبت إلى السوق لشراء احتياجاتنا بنفس الأسعار ونفس الكميات وكذا النوع من كل شيء وصنف، وفي يوم الزفاف أيضاً كان الزي واحداً وكل تفاصيل الحفل الذي أقيم وكذلك كان نفس المأذون وكان الشيء الذي ينقصني ينقص من زوجة أخي أيضاً، إضافة إلى النظرة الساخرة إلينا على أننا أشبه بسلعتين نُباع ونُشترى، والمشكلات التي واجهتني بسبب هذا الزواج هي المحدودية في كل شيء ورصد لكل التصرفات فلم أجد حرية حتى على صعيد تفاصيل بيتي الداخلية لأن كل شئ أقوم بفعله تترصدني ابنة عمي لتقوم هي الأخرى بفعله فيقوم زوجي بمنعي أن لا أفعل كذا وكذا لأن بنت عمي ستفعله, وأضافت أنها الآن تعيش في ضيق نفسي وضنك وما عليها من واقع الآن ماهو إلا بسبب زواج البدل ,ومن أجل ذلك فهي ترفض أن تزوج ابنتيها بهذه الطريقة مهما كانت الأسباب والظروف ولو بقين طيلة حياتهن بلا زواج.
أسعد امرأة في العالم
وتوجهت سامية في حديثها لـ(الصيحة) وهي تشير إلى الفتيات والشباب للابتعاد عن زواج البدل لما فيه من ظلم وهضم لحقوق المرأة ,فهو يمنعها من حقها الشرعي ,حيث أعطاها الإسلام حقها كاملاً في اختيار الزوج المناسب لها وكذلك الحال بالنسبة للشباب
بينما ذهبت مها نميري إلى الرفض التام لمثل هذا الزواج وتعتبره ليس إلا عادات وتقاليد حُكِم عليها بالفشل، فهي تعتبره بيعا للمرأة واستهانة بحقوقها الشرعية التي أوجدها لها الإسلام بعد أن كانت غارقة في الظلم في الجاهلية الأولى.
زواج ذو حدين
أما سامية فقد تزوجت زواج بدل وعمرها خمسة عشر ربيعاً، وهي ترى أن بمثل هذا النوع من الزواج له عيوبه وميزاته الجميلة في نفس الوقت، فمن مميزاته خفض تكاليف الزواج وتقوية الرابطة بين العائلات إذا كانت العلاقات بينها طيبة, ومن مساوئه الفادحة حرمان المرأة من حقها الشرعي في المهر، وتضيف سامية: كانت حياتي ومازالت في قمة التفاهم مع زوجي وأهلي ولكن ما كان يُكدّر صفونا حدوث المشاكل بين أخي وزوجته مما جعلني اتعرض لبعض الضغوط والمضايقات فينعكس هذا في حياتي مع زوجي، لذا أرى أن زواج البدل يخلق المشاكل في بيت الزوجية، فلو لم يكن بيننا زواج لكنت أسعد امرأة في العالم، وأنا أعرف صديقة لي طلقها زوجها لأن أخوها طلق أخته وكان هذا بإجبار من أهله.
زواج ندامة
أطلق الحاج التهامي عبد الله (70 سنة) تنهيدة عميقة وهو يروي مأساة ابنه الذي كان ضحية (زواج الندامة) كما يسميه. ومضى يقول: اتفقت مع صديقي على أن نبادل أبناؤنا، ولكن لم تتفق ابنتي مع زوجها، وعادت إلى البيت، والمشكلة أن ابني كان متعلقاً بزوجته، ويضيف: تطورت الخلافات بين العائلتين وصلت إلى المحاكم وفشلت كل الحلول، لنتفق بعدما خسرنا أموالاً طائلة على حلّ وذلك بأن يطلق ابنانا معاً لكن ابني فقد صوابه (جُنّ) جراء ضغوطنا عليه ليطلّق، وما زال إلى الآن على هذه الحالة.
الظاهرة تطال المتعلمين
لم تقتصر هذه الظاهرة على أصحاب المعارف المحدودة، فأحمد الأمين (35 سنة) تلقى تعليماً عالياً، ويدرك خطورة زواج البدل، لكنه اضطر كما يقول، تحت ضغط أهله للقبول بالزواج على طريقة المقايضة خوفاً على أخته التي تكبره سناً من العنوسة؛ وقال في حديثه لـ(الصيحة) وهو يزيح النقاب عن قصته، لقد كان الشرط أن أتزوج ابنة أحدهم مقابل زواج أخيها بأختي، فأهلي يعتبرون ذلك ضرب عصفورين بحجر، لقد عانيت من مشاكل لا تحصى ولا تُعد، ولم أتفق مع زوجتي، وكذلك أختي مع زوجها، وتجرّعنا مرارة هذا الزواج سبع سنوات فقدت بعدها القدرة على التحمل وطلّقت زوجتي التي أخذت ولدي وابنتي معها ولم أرهما منذ أربع سنوات) قطع أحمد حديثه بعد أن اعترضت غصة حلقه وكانت عينيه الأسرع في ترجمتها إلى دموع ذرفها في سخاء ملؤه الألم والحسرة قبل أن يواصل حديثه لنا، فقد طُلّقت أختي وعادت إلى منزلنا مع أولادها الثلاثة.
رأي علم الاجتماع
وترى الخبيرة في علم النفس والاجتماع الدكتورة عزيزة عوض الكريم؛ أن الأطر التقليدية للاختيار في مجال الزواج في مجتمعنا إلى عهد قريب كانت هي السائدة، اللهم إلا في مناطق بعينها ويخضع هذا الاختيار لاعتبارات كثيرة ومنها اعتبار الزواج كرابطة بين مجموعتين وليس كرابطة بين فردين فقط، لذا شاع زواج المبادلة ليعبر عن هذه الرابطة، ولكن تطور العادات الاجتماعية وانتشار التعليم وزيادة الوعي الاجتماعي عند الرجل والمرأة بأهمية البيئة الأسرية الخالية من النزاعات والصراعات، وفي توفير أجواء نفسية جعلت هذا النمط من الزواج ينحسر، ولم يعد المجال والظروف الاجتماعية والثقافية يسمحان بفرض زوج ما على الفتاة أو زوجة ما على الشاب بعد أن أصبح الاستقلال الاقتصادي والاجتماعي لكليهما ميسوراً أكثر مما كان سابقاً في عهد العائلة الكبيرة المرتبطة بالأب والجد.
مفاهيم البدل
وتواصل الدكتورة عزيزة حديثها لـ(الصيحة) عن زواج البدل وعواقبه وحيثياته مشيرة إلى أن زواج البدل له مفاهيم عدة، منها تبادل الزوجات بشكل نهائي بين الأزواج وهذا غير موجود في المجتمعات بشكل كبير حالياً، إنما كان موجوداً في المجتمعات الجاهلية الأولى، وقد أبطله الإسلام حتى لم يعد له وجود حالياً. وأما المفهوم الثاني فهو أن يقوم الرجل بالزواج من امرأة مقابل أن يتزوج وليها بامرأة تكون تحت ولاية الرجل الأول؛ ومن دون مهر سمي لكل واحدة منهن، وهذا الشكل غير موجود بهذه المواصفات حالياً وإن وجدت ففي المجتمعات الريفية النائية أما المفهوم الثالث فهو زواج البدل الذي يُسمى عقدا ومهراً مستقلاً في طرفي عملية البدل ,وبالتالي يعتبر زواجاً شرعياً، ولكنه يعامل في سياق التفاعل الاجتماعي اليومي معاملة البدل، وهنا تكمن الخطورة على مؤسسة الأسرة واستقرارها, وتضيف دكتورة عزيزة، يتحمل مسؤولية فشل الزواج (الثالث) أكثر من طرف وعلى رأسهم أهل الزوج والزوجة أنفسهم والمجتمع المحيط بالأسرة والذي يقوم بعملية التحريض ضد أحد طرفي هذا الزواج. وعادة ما تتصدّع الأسرة وينشأ الأطفال في شقاقٍ ونكد يؤثر على التوازن النفسي لهم، وأكدت الدكتورة عزيزة أن ظاهرة زواج البدل آخذة في التراجع بمجتمعاتنا بسبب ارتفاع معدل التعليم بين الرجال والنساء على حد سواء وبالتالي اتساع دائرة الاختيار المحتملة للشريك سواء للرجال أو النساء.
تحقيق: تيسير الريح
صحيفة الصيحة