“2012” ورد في تقرير للإدارة العامة لمكافحة المخدرات أن نسبة التعاطي ارتفعت إلى “34 %” وأن السودان يُعد أكبر منتج للبنقو في أفريقيا ويسهم بنسبة “60 %” من مجمله.. يزرع في “34” ألف كيلومتر تعادل مساحة دولة البرتغال
قبل أيام أثيرت بخيمة الصحافيين قضية تأثير الفرق الكوميدية والنكات على المجتمع بشكل سلبي من خلال بعض الأعمال والنكات التي تنمط لأشياء أو قبائل أو شخصيات بعينها، دفاع مستميته دافع به أعضاء تلك الفرق عن عملهم ودورهم في نشر الضحكة وسط المجتمع السوداني بعيدا عن أي مقاصد أخرى أو تعديات، البعض ينتقد حالة الالتصاق السيامي للنكات والمساطيل ودوما ما تنسب النكات والطرائف المضحكة إلى (مسطول) في الغالب، الأمر الذي يصور بأن النكتة لن تكون مضحكة إذا لم تصدر من مسطول أو متعاطي للمخدرات، وقد لا يتفاعل الجمهور مع النكات إن لم تكن منسوبة إلى مساطيل وربما تعداها إلى الاعتقاد بأن الشخص لن يكون ظريفا وطريفا الا وهو مسطول، الأمر الذي يشير البعض إلى أنه أسهم في زيادة نسب تعاطي المخدرات وانتشارها.
حسنا.. أمس الأول احتفل العالم باليوم العالمي لمكافحة المخدرات والتي تعد خطرا داهما يتربص للشباب في كل النواصي والشوارع والمواقع، والمجتمع السوداني بكل تأكيد ليس ببعيد عن انتشار تلك الظاهرة التي أصبحت تشكل مهددا لحياة ومستقبل البلاد نظرا لتأثيرها الكبير على حياة الشباب عماد المستقبل وصناعه، ولما تفرزه من تأثيرات سالبة على كافة القطاعات والفئات بالمجتمع..
رسميا تباشر الجهات المسؤولة والمختصة عملياتها ومجهوداتها الدؤوبة للحد من الانتشار ومكافحة المخدرات من خلال برامج التوعية ومحاصرة مروجي ومتعاطي المخدرات وملاحقة كافة العاملين في الاتجار بها وبحسب إحصائيات رسمية فإن جرائم المخدرات تصاعدت بشكل مخيف خلال الأعوام السابقة ويعزو مراقبون حدوث بعض الجرائم الغريبة على البلاد والمجتمع إلى تعاطي مرتكبيها ووقوعهم تحت تأثير المخدرات بمختلف أنواعها.
وتعمل الإدارة العامة لمكافحة المخدرات وفقا لاستراتيجية شاملة تهدف لتجفيف المنابع التي تأتي منها المخدرات وتخفيف الطلب عليها عبر قطع الطرق على مهربي المخدرات في مناطق الحدود والمعابر ووضع رقابة في المطارات والموانئ وحققت تلك الإجراءات نتائج إيجابية وأسهمت بصورة واضحة في الحد من تهريب المخدرات إلى داخل البلاد، من خلال التعاون والتنسيق مع أفرع إدارة المكافحة بالولايات. وبخلاف قضية حاويات بورتسودان الشهيرة فإن للإدارة جهودا مقدرة في الحد من انتشار الظاهرة وحملت الأنباء العام الماضي ضبط الشرطة لمصنع ضخم لتصنيع أقراص الكبتاجون المنشطة في جنوب الخرطوم وتم ضبط المتهمين الأجانب الذين يديرون المصنع وتقدر القوة الإنتاجية للمصنع بأكثر من 5 آلاف قرص في الساعة.
وأظهرت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات في تقرير العام 2012 أن نسبة تعاطي المخدرات بالبلاد زادت إلى 34 %، وأفادت أن البلاد أكبر منتج للبنقو في أفريقيا، بإنتاج 60 %، وقالت إن منطقة “الردوم” بجنوب دارفور تأتي في المرتبة الأولى في إنتاج البنقو الذي يزرع في مساحة 34 ألف كلم ما يعادل مساحة دولة البرتغال، وتعتبر المنطقة الأولى في إنتاج البنقو حيث توجد عدة مزارع للقنب (البنقو) في مناطق وعرة جداً وتنظم الإدارة العامة حملات سنوية لإبادة تلك المزارع حيث نفذت خمس حملات كبرى استطاعت خلالها أن تبيد كميات كبيرة من نبات القنب وهناك جهود لزراعة محاصيل بديلة للقنب مازالت تحت الدراسة لتعويض الأهالي عن زراعة القنب.
عودًا على بدء فإن المخدرات تؤثر بشكل كبير على جسد الإنسان وعقله وقد تؤدئ إلى الوفاة وتدمير الخلايا بجانب تأثيرها الكبيرة على مقدرات البلاد من خلال استنزاف طاقات الشباب والطلاب وعقولهم بعيدا عن الأطر الصحيحة التي من خلالها يمكن أن يسهموا في نهضة البلاد وبناء مستقبلها، لذلك كله فان الحد ومكافحة المخدرات تعد مسؤولية تكاملية يشارك فيها المسؤولين ومنظمات المجتمع المدني والأسر والمدارس والجامعات والأندية ومختلف الجهات التي يمكن أن تساعد على الحد من انتشارها وتلافي الأضرار التي تحدثها في الأسرة والمجتمع وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية، لأن المتعاطي تختل مسؤوليته بإنفاقه لدخله أو جزء منه على المواد المخدرة دون الاكتراث لاحتياجات أسرته وإهمال واجباته وربما يقود تعاطي الآباء والأهل إلى دفع الأبناء للتعاطي، وقد أشارت الدراسـات لأن الأسر التى يوجد فيها أفراد منحرفون هم في الغالب متأثرون بنحو أو آخر من أنمـاط الانحـراف داخل الأسرة ويتمـثل ذلك في كون الأب سكيراً أو مدمناً على المخدرات، كما أن تعاطي المخدرات يؤثر تأثيراً كبيراً على الجنيـن خلال فترة الحمل ويترتب عليه أن الأطفال يولدون مصابين بأمـراض وتشوهات مختلفة كما يؤثر تعاطي المخدرات على نمط العلاقات بين الزوجين فيكثر الشجار بينهـما مما يفقد الطفـل الشعور بالأمان ويصبح فى وضع متأرجح يملؤه الخوف على مصيره والقلق والإحسـاس بالضياع وقد يؤدي ذلك إلى تعاطيه المخدرات في سن مبكرة.
و بخلاف كل تلك التأثيرات فإن المخدرات وتعاطيها تقود إلى ارتكاب الكثير من الجرائم الدخيلة والفظيعة، ويقول خبراء إن أغلب النشاط الإجرامي المتعلق بتلك النوعية من الجرائم له علاقة بالمخدرات وهو نشاط منظم تقوم به جماعات مخالفة للقانون للكسب السريع غير آبهة بالأضرار التي تلحق بالأسر والمجتمع من جرائمها تلك.. ودوما ما تحدث بين المشتغلين في تلك النوعية من الأنشطة الاجرامية صراعات على مناطق النفوذ وهذه الجماعة تكون لنفسها منطقة نفوذ تحظر على الآخرين مزاولة أنشطتهم الإجرامية المتصلة بالمخدرات فيها.. ومن بين المصائب التي تحدث بسبب العصابات العاملة في المجال استغلال الآخرين في المتاجرة بالمخدرات من خلال استغلال البعض في توزيع البضاعة وهم في ذلك يستهدفون الشباب والأطفال الأحداث، فقد نشرت دراسة تفيد بأن الأطفال الذين يتم جلبهم إلى هذا النشاط يعملون كباعة أو مروجين للمخدرات وفي أحيان غير نادرة يستخدمون كمهربين للمخدرات وأنهم بالتالي يكونون عرضة للاستغلال من قبل هؤلاء التجار وقد يصل الأمر حد القتل إذا اتضح أنهم عرفوا أو أصبحوا يعرفون أشياء لا يجب عليهم أن يعرفوها لأنهم بذلك يشكلون خطرا على من يعملون لديهم.
ويبقى التأكيد على أهمية تضافر الجهود وزيادة جرعات الوعي وسط الشباب والطلاب والفئات الأكثر استهدافا بالمخدرات فضلا عن إحكام الرقابة والمتباعة لتلافي الضرر الذي يمكن أن يحدثه ذلك الخطر الداهم على المستهدفين في نواصي الشوارع وعند الأوكار وفي كل مكان صار الآن بحيث لا تدري ربما تجده في طعامك أو شرابك أوحتى في كوب شاي .
الخرطوم – مهند عبادي
صحيفة اليوم التالي