تسلمي يا ست البنات
مبروك للطالبة الخليجية ج. ح. غ. حصولها على درجتها الجامعية بامتياز من جامعة ممتازة، (مشكلة يا أهل الخليج إنه يكون ممنوع ذكر اسم بنت حتى في مجال تهنئتها بإنجاز يستحق الإشادة). المهم مبروك أيضا للسيد والدها والسيدة والدتها وعموم أفراد أسرتها، فالإنسان لا ينجح ويفلح ما لم يكن يعيش في بيئة تتوافر فيها شروط النجاح، وأبارك لهم ليس فقط كون ابنتهم متفوقة أكاديمياً ولكن كونها وحسبما قالت في تصريحات صحفية في تفسير سر نجاحها وتفوقها: إنه التخطيط وتحديد الأولويات، و… إدارة الوقت!
هذا كلام كبير ينم على عقل كبير، فإدارة الوقت فن لا نعرفه في حياتنا، وتسأل زيدا لماذا لم يفعل الشيء الفلاني فيتعلل بعبارة «ما عندي وقت»، وتستعرض مسيرة حياته اليومية فتجده يستيقظ حسب التساهيل، لأنه قضى الليل بطوله في الأنس والفرفشة والترويح عن النفس، ثم ذهب إلى هنا وهناك، والمشوار الذي ينبغي أن ينقضي في نصف ساعة يقضيه في ساعتين. أو يؤجله ليومين أو شهرين، بل قد ينسى أمره تماما. ويكون ذاهباً لزيارة عمه في المستشفى فيلتقي عرضاً بصديقه الذي يدعوه إلى كوب شاي في مقهى على الرصيف، به تلفزيون ضخم تدور على شاشته رحى حرب ضروس كالتي تدور رحاها حاليا بين أندية كرة القدم الأوربية، ثم بين المشاهدين فتعجب لماذا يتشاجر بحرينيان لأنّ هذا يشجع سويسرا والآخر يموت في إيطاليا، المهم أن صاحبنا الذي كان يفترض ان يزور عمه المريس يعود إلى البيت ويسأله أبوه: كيف حال عمك اليوم؟ يهمهم قائلاً: عمي منو؟ وش فيه؟ أووه والله انشغلت ونسيت أنه بالمستشفى. ما قدرت أزوره!
وبسبب فشلنا في إدارة الوقت وهو الفن الذي عرفته الطالبة النابهة بالسليقة، (لأن مناهجنا لا تعلمنا إدارة الوقت واحترام الملكية العامة كاحترامنا للملكية الخاصة) تتعطل مصالح العباد، وتبقى القضايا معلقة في المحاكم عشرين سنة! والحل لمشكلاتنا المتعلقة بإدارة العمل وأداء الواجبات بنجاح وكفاءة بسيط كما جاء على لسان فتاتنا المتفوقة: التخطيط وتحديد الأولويات وإدارة الوقت.
أنت موظف عليك واجبات معينة يجب أن تؤديها غداً ولكن عليك في نفس الوقت الذهاب إلى البنك لسحب نقود لسداد مصروفات العيال المدرسية، ولزوجتك موعد مع الطبيب في نفس ذلك اليوم! ما الأولويات؟ العمل الرسمي أولاً بالطبع، ولا بدَّ من بذل جهد لأدائه على وجه السرعة أو تكليف زميل بأداء جانب منه، أو كله، فالمهم أن تعطيل العمل من جانبك سيعطل عمل زملاءك ويضر بمصالح جهة عملك وربما الجمهور العام. ثم احسبها: مشوار البنك نصف ساعة، وسداد المصروفات المدرسية لن يستغرق أكثر من ربع ساعة ولكن مع زحمة المرور قد يستغرق الأمر برميه ساعة ونصف الساعة، وموعد المدام مع الطبيب يمكن أن تؤجله إلى المساء. صحيح أنها ستطنطن وتنقنق، ولكنك تستطيع إسكاتها بإبلاغها بأن الزغللة التي تحس بها في عينيها بسبب عامل السن، وسيأتي المساء – وعلى مسؤوليتي ستقول لك إنه لا داعي للذهاب إلى العيادة.
والطالب هو الأكثر حاجة إلى إتقان فن إدارة الوقت. الكيمياء صعبة ولهذا سأبدأ استذكارها قبل موعد الامتحانات بشهرين، وسأخصص لها ثلاثة أيام متتالية. أما اللغة الانجليزية فلا طائل من مراجعة دروسها في الأيام التي تسبق الامتحانات.. أيهما أفضل ان انام مبكراً أو أستيقظ مبكرا أم أن أسهر وأذاكر وأصحو متأخراً؟ ولديَّ أسلوب ناجع في إدارة الوقت وهو أنني لا أرحب بأي زائر في مكان العمل. وبالمكشوف أقول لمن يعلن عن رغبته في زيارتي في المكتب إنني لا أحبذ ذلك، بل كنت ولعدة أعوام أضع لوحة على باب مكتبي تقول: أنا مشغول وأرجو عدم إطالة الزيارة الخاصة، واعتبرني الكثيرون شخصاً «بايخ» ولكنني ارتحت من مداهماتهم وصرت أنجز عملي أولا بأول، وبعدها أزوغ لأذهب إلى البنك ثم إلى المدرسة لسداد مصاريف دراسة عيالي، واصطحاب زوجتي إلى العيادة لمرض لا دخل لعامل السن به.