انفخ ولو حملك ريش
وردتني هذه المساهمة من قارئ يقول إنه منزعج من ركوننا للنوستالجيا واجترار الماضي وتكبيرنا لكومنا وتضخيمنا لذاتنا بأكثر مما يجب ونستحق، فحقت علينا عبارة (انفخ ولو حملك ريش)..
الأخ الكريم حيدر – صباح الخير أرجو المعذرة، إذ إنني تغولت على مساحتك التي نريد أن نقرأ لك فيها فنستفيد ونبتسم أكثر من أن نملأها بكلامنا فنحجبك عن المريدين، لكن في الحقيقة ما تورده من ملاحظات لماحة تجعلني لا أقاوم قلمي في مجاراتك وتقفي أثرك. خذ مثلاً هذه: فمما لا شك فيه أن الشعب السوداني شعب يتميز بميزات طيبة ومتعددة يحسدنا عليها البعض، ولكن هذا لا يجب أن يدفعنا للزهو بأنفسنا وادعاء ما ليس لنا أو الشعور بأننا واصلين المنتهى في كله. لأن ذلك يقعدنا عن الجد والاجتهاد، ولأن كل من ظن في نفسه الكمال فهو واهم ومتراجع للخلف. يجب علينا أن نعترف بأن فينا عيوباً خطيرة لابد أن نعالجها، فمن لا يشخص مرضه أحرى بأن لا يجد له علاجاً. أستغرب جداً عندما أسمع أحدهم يقول: “إحنا اللي بنينا الخليج وإحنا اللي علمناهم الكورة والسياسة وغيره وربما الدين كمان”. وفي الواقع هذا غير صحيح مطلقاً وأوضاع السواد الأعظم من المغتربين السودانيين في الخليج تثبت ذلك – اللهم إلا بعض المهندسين والأطباء وكبار الإداريين الذين فروا من هذه البلاد لسوء أوضاعها بعد هنيهة من الاستقلال. وبعد أن هدمنا بأيدينا نظم إدارة راسخة ودقيقة وناجعة في الإنجاز والمحاسبة على التقصير في الأداء والنزاهة تركها لنا الإنجليز، وبدلاً من أن نطورها فعلنا بها الأفاعيل حتى وصل بنا الحال إلى أن نادى بعضنا بتجاهل اللغة الإنجليزية في تدريس العلوم، مع أننا مازلنا عيال في العلم على أصحاب تلك اللغات العالمية التي يكاد لا يتم أي تعامل في العالم إلا بها. وفي المقابل ليتنا أتقنا لغتنا العربية، ولست في حاجة للحديث عن ذلك، فالحال يغني عن المقال. سأضرب هنا أمثلة بلا شرح لعدم الإطالة وهي واضحة لمن يعيش معنا في هذه البلاد :
– جميع شوارعنا منفذة بلا أي مواصفات هندسية تتناسب مع عدد السيارات والمشاة والدراجات والركشات وغيرها من مستخدمي الطرق، وبدون مراعاة للسرعة التصميمية ومسافات الفرملة الآمنة والتخطي اليسير، وغير ذلك من أساسيات تصميم الطرق.
– نكتب على مطاراتنا لافتات تقول إنها دولية وهي غرفتان وصالة، فنضطر لاحقاً لإنزال تلك اللافتة.
– ناس الرياضة العسكرية عملوا حمام سباحة في محمد نجيب، سموه في البدء المسبح العالمي بيافطة مكلفة وحلوة، وفجأه غيروا التسمية إلى بركة الملوك.. ما عارف البلد دي فيها ملوك من ورانا وإلا تكون مواصفاته غير عالمية .
– لم ولا أعتقد أنني أو غيري رأينا من قبل أو سنرى عاصمة سكانها ملايين لا توجد بها محطات تقف فيها المواصلات بأمان وسلام وبمواصفات تضمن سلامة الجميع. وإشارات المرور كثير منها مغطى بشجرة ولا كشك وواحدات على الطرف الآخر من الشارع ما تشوفها إلا بعد ما تعديها. والعجيب ناس الحركة عاوزين يسجنوا الناس لو قطعوا إشارات غير مطابقة لأي مواصفات؟
الأمثلة التي تغيظ كثيرة ولا تنقضي غرائبها وعجائبها, لكن أناشدكم الله أن نصلح هذه العادات الضارة التي أقعدتنا وقذفت بنا في ذيل الدول بالتصنيفات العالمية المنصفة والمبنية على أسس علمية نزيهة.