جلال الدين محمد ابراهيم : اقتصاد دولة ام حكومة
وضح تماماً لي بان معظم القرارات السودانية الاقتصادية منذ الاستقلال وإلى اليوم لا تنتمي للمنظومة العالمية الاقتصادية،، بل تجري في فلك منفصل عن العالم كله،، وكل من يستلم أمر الاقتصاد يخرج لنا بألف نظرية تختلف عن سلفه ويطبقها فينا وعندما تفشل يدعي أنه بريء من فشلها ويرمي السبب في شماعات أخرى .
والكل يرمي بالأفكار وبكل أسف بعضها أفكار مهببة لا تصب في صالح الاقتصاد الكلي للدولة بل هي أقرب أن تكون أفكار اقتصاد (بنك ربوي وليس دولة لها ثوابت موارد طبيعية اقتصادية ) .
فمثلاً ،، ما معنى فتح الاستيراد للعربات الكورية والصينية وهي تستهلك (إسبيرات ) (قطع غيار) عشرة أضعاف العربات اليابانية والأوربية وفي أبسط حادث مرور تكون الوفيات بالعشرات لعدم مطابقة العربات والباصات الكورية والصينية معايير السلامة العالمية فترسل إلى السودان ،، وكأن بلادنا مرمى نفايات صناعة العالم المتخلف .
وما معنى أن يفتح الإستيراد ل(منتجات اللحوم) والخضروات ويتم إستيراد خضروات إلى السودان ونحن بلد زراعي بل يفترض أن ننتجها هي ومنتجات اللحوم ونصدرها.
ألم ندعي بأننا سلة غذاء العالم العربي ،، كيف نسمح بإستيراد البصل الحبشي والطماطم الأردني والمصري ،،، وكيف نصدر لمصر الماشية الحية،، لترسل مصر لنا منتجات بلاستيكية واواني منزلية ألمونيوم وصفيح ،، ومعظمها مصنوعة في الصين ومعدل لها شهادة المنشأ لتستفيد من الكوميسا،، ليأكل الاقتصاد والشعب السوداني ( نيم) تخيل نصدر أفضل منتجاتنا ونستورد ( كرور) فلا يعود لنا عائد صادر بالعملة الصعبة.
الفرق كبير بين اقتصاد دولة،، واقتصاد حكومة،، فإن الحكومات في بلادي تأتي وهي تحمل أاجندة لصالح مشروع معين فكري أو جماعي أو أيديولوجي ،، وبعض الأحيان يكون مشروع ( منافع شخصية ) ولذلك من الصعب التعويل على اقتصاد يتم بناؤه بأسلوب منظومات المنافع المؤقتة ( للحكومات ) وغير مرتبط باستراتيجية مصلحة الدولة والشعب البعيدة المدى .
واستبعاد فكر اقتصاد الدولة المستقر بموجب ثوابت الموارد الطبيعية وتدميرها,, وهذا ما يحدث كمثال في الثروة الحيوانية والتي تصدر حية بدون إضافة أية قيمة مضافة للمنتجات المحلية وتصدرها (بتراب القروش ) والخزينة العامة تصبح عائداتها القومية مجرد ( ملاليم ) فيتم فرض (الجبايات ) على الشعب لسد العجز (الفكري) وليس (الاقتصادي) .
فعندما تصدر أية حكومة في العالم ( الخامات ) المجردة لكافة المواد والمنتجات بالبلاد ،، بدون إضافة أية قيمة مضافة عليها (تصنيعها ولو لمرحلة واحدة) ،، أعلم بأن العقول الاقتصادية والصناعية المتحكمة في تلك البلاد لا تصلح أن تدير فكراً اقتصادياً لدولة ،، بل ربما تدير اقتصاد حكومة أو جماعة والفرق كبير ! ! ! !.
والعجيب ما زال البعض يعمل بعقلية اقتصاد (Hit and run ) ونحن في زمن العولمة ونقل المعلومة أصبح بسرعة البرق والأغلبية الفكرية إلى الآن متابعين لأفكار اقتصاد ( تجار الكرين) وتجار الدولار في السوق الأسود ،، فإن هؤلاء هم من يحرك اقتصاد البلاد بشكل فعلي ،، بينما البعض ممن يجلس في منصب اقتصادي رسمي عليه المتابعة والاستمتاع بالدهشة ،، ولا يضيف قيمة فكرية مضافة بمثل ما لم يضف قيمة مضافة على المنتجات السودانية المصدرة للخارج من أجل تصحيح مسار الاقتصاد ،، والمصيبة في يدو القلم.