عبد الله الشيخ : أين «موائِد الرحمن».؟
المسألة أعقد بكثير من أن نتركها لهذه الدقنية، فالكثير منهم لم يفهم، أن الإنقاذ قد اضطرت الى تغيير خطابها، وأنها تجاوزت حقبة المتحركات، وخيول المجاهدين الراكبة ..لكثير من هؤلاء، لا يتعرض لشمس النهار، ولا يعرف أبعاد خروج بريطانيا من الاتحاد الاوربي.. الكثير منهم لا يعلم أن النسخة الانقاذية الماثلة بين ظهرانينا، تتطلع إلى ركوب موجة العصر، واللّحاق بقطار التطبيع مع الغرب والشرق.. كثير منهم لم يفهم، أن القيادات ذات الشأن، لم تعُد تتقبّل تكرار شعاراتهم النازفة، التي كانوا يتمشدقون بها أيام الترطيبة .
هؤلاء، يطلقون ضجيج مايكرفوناهم، كأنهم من جاء بالرسالة..!
كأنهم لم يفصلوا الجنوب..!
يوم أمس الأول (شِلنا اللّيل سُقُدْ) مع أئمة الجوامِع.. هؤلاء الذين لا يعرفون أن عمّال اليومية مسلمون وعليهم مسئوليات حياتية، وأنهم من دُغشاً بدري، يخرجون بحثاً عن الرزق.. بأي حق، وفي أي شرع، يحق لجوامع الأحياء فتح المايكرفونات، بالصوت العالي ساعة الغمدة، لتسهيد العِباد بحجة قيام الليل..؟
المسألة أعقد بكثير، من أن يدرِك هؤلاء المُتخمون بأموال الدّولة، أن الضائقة الاقتصادية أدخلت الناس في جحر ضب خرب، وأن الكثير من أهل السودان يلوذون ببيوتهم بعد أن كانوا يفطرون في الشوارع، وما تلك الضائقة إلا من صنع دولة الاخوان المسلمين، التي تتحدّث عن ما تسميه بـ (العودة إلى الله)، وفي هذا اعتراف صريح، أنهم غادروا محطة الله .. أحدهم استنكر على الرجال شراب الموية داخل البيوت مع نسائهم وأطفالهم.. أحدهم، أبدى دهشة من جلوس الشباب في نواصي الشوارع نهاراً جهاراً وليلاً، ولم يقل أن ليس لهؤلاء، وظيفة ولا مشغلة في دولة الإنقاذ، مالم يكونوا أُخوانا… لا تقُل لي، أن دولة عم عبد الرحيم، قد تغيّرت إلى درجة الرغبة في إصلاح الخدمة المدنية ..الإصلاح الى هذه الدرجة، ما هو إلا خُرافة ..الإنقاذ تريد أن تبدو بـ «نيو لوك» أمام القوى الأجنبية، وأنها في سبيل ذلك تضحي بالدّاخِل، بمعاش الناس، وتكتفي بمصادرة جريدة أو جريدتين، وبس..!
المسألة أعقد بكثير من أن نتركها لهؤلاء.. يامولانا ربع كيلو الشرموط بي كم..؟ كان أهل السودان يستبشرون برمضان، ويتنسّمون فيه عبير الرِّياض، ولكن مفاجآت الإنقاذ التي لا تنتهي، جعلت الفساد يضرب قطاع الوقف، وتضخمت مؤسسات مثل الحج والزكاة، ولم يجن الراحلون (إلى منىً بغيابي)، الغارمون والفقراء، غير الوقوف تحت ظل بناياتها..!
المسألة أعقد بكثير من أن يتحدث فيها هؤلاء.. أحدهم تمشدق، بأن أسباب ضيق المعيشة، هو عدم التواصل والتراحم في شهر الخير ..يامولانا، كيف يتواصل الناس، إذا كان سائق عربة الأمجاد، لا يقبل بمائة ألف جنيه، للمشوار من ود البشير إلى رويال كير..! يا مولانا إنتَ قاعِد وين..؟
قبل مجيئ البعوض إلى العالم، كان السودانيون يفطرون في الشارع بعفوية.. ورغم كل قواصِم الظهر، لم يزل أهلنا الطيبون يرابطون على الطرقات، بدون هيلمانة وزمبريطة.. رغم كل شيء، حافظ الناس على بروشهم في الأحياء وفي طرق المرور السريع، وزادت عليها عبقرية الشعب، مجموعات شبابية تجمع وتجهز وتوزع للعابرين، لا يريدون جزءاً ولا شكوراً .. ثم جاء البعوض إلى العالم، واخترع يافطة اسمها )موائد الرحمن(، واخترع الافطار في الصّالات، وتصوير حضورها الباذخ، وعرضه ضمن نشرات الأخبار وفي أقوال الصحف..!
ومسؤولين من الخير..أين (موائد الرحمن)..؟ هل انقطع العابرون للطرقات، فقام الانقاذيون بـ «تأصيل »الميزانية المخصصة لتلك الموائِد، أم أن الموائِد رُفعت مع أرواح من ماتوا في الجنوب..؟