اسماء محمد جمعة : الفساد تحاربه الأخلاق
المؤتمر الوطني منذ مجيئة للحكم أن اعتمد على مبادئِ العدالةِ الاجتماعيةِ وسيادةِ حكمِ القانون وبسط الشورى بينَ الناس وركز على إعلاء قيم الشفافيةِ في اتخاذ القراراتِ واعتمد معايير الكفاءة والنزاهة عند كل تكليف وتعيين والتزم بالمحاسبة الحازمة عند كل فساد أو تقصير لما تاه السودان في عالم الفساد، ولما اضطرت حكومته اليوم إلى أن ترجع 27 سنة للوراء لتبدأ من نقطة الصفر، ولكانت اليوم في أحسن حال ولما اشتكى الناس من بقائها كل هذا الزمن.
قبل عام من الآن أعلنت الحكومة عن قيام مفوضية للشفافية ومكافحة الفساد بصلاحيات واسعة تتبع مباشرة لرئاسة الجمهورية، وقالت إنها تدخل عهداً جديداً تمكن فيه قيم الشفافية واعتماد معاييرِ الكفاءةِ والنزاهة والمحاسبة الحازمة عند كل فساد أو تقصير، ومنذ ذلك الوقت وهي تعد في قانون المفوضية الذي مرره البرلمان أول أمس بعد تعديل المادة 25 المتعلقة بالحصانات والتي أعادت إليه القانون بعد تمريره أول مرة، التعديل الذي أدخله البرلمان على المادة يسهل على المتهم الإفلات من التهمة نفسها بسبب الإجراء الطويل والمعقد .
مشكلة الفساد في عهد المؤتمر الوطني ليست القوانين، لأن قوانين السودان الموجودة من قبله كانت كافية جداً لحماية ممتلكات الدولة وقادرة على ضبط الناس، ولكن المشكلة تكمن في القائمين على أمر الدولة من عضوية المؤتمر الوطني فهؤلاء هم من أضعفوا تلك القوانين نتيجة الاعتماد على أمزجتهم واجتهاداتهم الشخصية في تسيير أمور الدولة والتى أدت إلى الفوضى في المؤسسات ومن ثم انتشر التحايل على القوانين وتجاوزها، كما أن خوفهم من الإدانة والفضائح يجعلهم دائماً يتمسكون بفقه السترة الذي عرفه السودان في عهدهم هذا، هذا النهج استمر منذ أن جاءت الإنقاذ وما زال سارياً حتى هذه اللحظة، وتعديل المادة 25 خير دليل، وقد احتوت على الاحتياطيات اللازمة التي تحمي من يتهمون بالفساد ممن يحملون الحصانات بطريقة غير مباشرة وهم بلا شك مسؤولين.
المؤتمر الوطني لم يعد قادراً على الإصلاح لأنه لا يستطيع تطبيق القوانين على نفسه ولذلك هو دائماً يعدلها بما يتوافق مع مصلحته لدرجة أنه ذهب إلى تعديل الدستور نفسه دون موافقة الشعب.
حكومة المؤتمر الوطني لن تتمكن من الإصلاح ومحاربة الفساد، لأن العلة فيها كحكومة،ولكي ينصلح حال السودان أمامها خياران لا ثالث لهما، أما أن ترحل وتترك البلد لغيرها أو تقر بعجزها وتطلب المساعدة من الآخرين وتتعاون معهم لأقصى درجة، وهي كلها حلول لا تعجبها طبعاً، ولذلك ستظل تبحث عن المخرج في قوانين تكتبها بنفسها وتظل تحكي عنها عاماً بعد عام والفساد مستمر ومتطور.
حكومة المؤتمر الوطني لن تكون صالحة مالم تصبح شجاعة بما فيه الكفاية وتطهِّر نفسها وتلتزم أخلاقياً بكل قيم الرشاد والصلاح، فالقوانين نفسها تحميها الأخلاق ونقطة ضعف المؤتمر الوطني هي الأخلاق التي تحمي القوانين والفساد حين لا يجد الأخلاق لا توقفه القوانين .