مؤمن الغالي : ضياء .. تلك أيام لا أعادها الله يايوسف.. (4و5)
ضياء تلك الأيام لا أعادها الله يا يوسف (4)
٭ واليوم يا أحبة.. خطابنا المفتوح والمنشور على الهواء مباشرة.. لسعادة اللواء يوسف عبد الفتاح.. وبعد أن نقول لسيادة اللواء سلاماً ووداً واحتراماً وبعد أن نقول له.. كل عام وأنت بخير.. ورمضان كريم وتصوم وتفطر على خير.. بعد كل تلك «المطايبة» دعوني أكون صريحاً وناقداً وناصحاً ومشفقاً على سيادة اللواء لذا لا بد لكلماتي أن تكون بطعم الملح.. ولا بد لحروفها أن تكون مكتوبة من محبرة النزيف وما أصدق مداد الدم والدمع عندما يكون صادقاً.
٭ سيادة وسعادة اللواء.. من خلال لقاء الصديق ضياء الدين بك في تلك المقابلة النادرة.. اصطدنا من بين الاجابات حزناً دفيناً وأسفاً كبيراً بل غضباً ساطعاً وأنت تجد نفسك خارج منظومة المسؤولية في كابينة «الانقاذ» التي كان لك في توطيد أركانها نصيب الأسد.. ولو كنت مكانك سعادة اللواء لما حزنت لحظة ولا تألمت وتأسفت لمحة وأنت بعيد عن صنع القرار بل لو كنت مكانك لحمدت الله كثيراً وشكرته طويلاً على إنك بعيد عن قيادة مركب الانقاذ.. ولو كنت مكانك لأكتفيت بتلك الفترة الصارخة والصاخبة من عمرك وأنت نائباً لوالي الخرطوم بل أنت تحدث تغييرات هائلة في عاصمة الوطن.. تهدم صروحاً ظلت صامدة من عهد الانجليز وتبني قلاعاً ما كانت ترى النور لو لا صلاحيات هائلة شاهقة شاسعة وهبتها لك «الشرعية الثورية» ويدك مطلقة في أن تفعل ما تشاء.. وأن تقرر في جزء من الثانية وان ينفذ مرؤوسيك أوامرك حالاً وفوراً وتواً بلا أسئلة أو مراجعة أو حتى تعليق.
٭ أنت يا سعادة اللواء في ذكرى وتذكارات الناس الذين شهدوا وعاشوا تحت حكمك بوضعك نائباً لوالي الخرطوم أنت ما زالت صورتك هي صورة «رامبو» البطل الذي يهبط بل يقفز من الطائرة قفزاً متجاهلاً في فتوة اي سلم أي درج وصورتك ما زالت في أذهان الناس ما زالت هي صورة العميد الذي يؤشر بعصاه حتى تترجم تلك الاشارة الى عمل له دوي وانفجار وغبار.. صورتك ما زالت هي صورة الرجل العاصفة التي ما هبت إلا وإقتلعت الأوتاد وبعثرت الخيام.. صورتك سيدي في اذهان المواطنين هي صورة ذاك الذي لا يرد ولا يعصى له أمر ولا يراجعه كائن.. هي صورة «رامبو» سعادة اللواء الآن الحال ليس هو الحال عندما هدأت عواصف الانقاذ وسكنت الرياح.. الآن وجهاً آخر من الانقاذ قد اطل وشمساً أخرى من «الانقاذ» قد اشرقت.. الآن «أحمد ربك» إنك بعيد عن صنع القرار أو حتى إتخاذ القرار.. لن تكون «رامبو» أبداً.. أبداً.. لن تكون «رامبو» أكيداً ومطقاً.. فقط ستكون وفي أحسن الأحوال «مارلون براندو» في «تمرد على السفينة بونتي» ذاك الذي فشل تمرده وفقد الشرعية ـ الشرعية التي آلت الى «تريڤورد هيوارد» ذاك الذي يبحر تحت علم وبيده القانون.. و «براندو» يقود سفينته بلا بوصلة بلا علم بعيدة عنها الضفاف.. ويا لبؤس السفينة عندما تبحر في بحار عدم الشرعية وعندما تمخر عباب البحر بلا قانون.
وبكرة نفصل..
ضياء .. تلك أيام لا أعادها الله يايوسف.. (5)
سيادة اللواء يوسف عبد الفتاح..
مرة أخرى لك السلام والود والاحترام.. ولك نقول.. سبحان الذي لا يتغير.. وها نحن نعيش في فرح تحت ظلال النسخة الثانية من الإنقاذ.. وها نحن نلهو ونلعب ونعربد.. و(نغني الغنا الحافظنو كلو) ونحن تحت ظلال الطبعة المنقحة من الإنقاذ الثانية.. ونؤكد لك سيادة اللواء إنك لن تستطيع أن تعمل دقيقة واحدة في (إنقاذ) اليوم.. مياه كثيرة جرت من تحت الجسر.. ورجال رحلوا أو رحلوا.. ووجوه غابت .. وأخرى توجهت وسفرت..
اليوم سيدي.. يستطيع أي (تاجر) أن يغلق متجره.. اليوم سيدي يمكن للتاجر أن (يغفل) متجره ليس ليوم واحد بل لشهور وأسابيع وأيام.. لن (تثكله أمه) بل (بنات) وعلى إيقاع (الدلوكة) يغنن (حننوهو فرحت أمو والجنيات في حوشو إتلمو) (شفت) كيف الفرق الشاسع بين (الثكلي) والغناء السعيد.. اليوم سعادة اللواء… يمكن حتى للفريق الركن عبد الرحيم محمد حسين والي الخرطوم أن يسأل إذا وجد مخبزاً مغلقاً.. يمكن أن تأتيه الإجابة باردة باهتة ليس لأن صاحب المخبز (أبوه مات)، بل لأن صاحب المخبز قد قرر أن يحول مخبزه إلى محلات بيع رصيد وكروت شحن، أو أن يحوله إلى صالة بلياردو أو ملهى (بلى ستيشن) ولا أحد يكلمه حتى إن كان الوالي (ذاتو).. (شفت) كيف تغيرت الأحوال، إلى الأحسن طبعاً.
سيادة اللواء يوسف.. ويأتي عيد الفداء.. عيد الأضحية.. بعدك بعد مغادرتك مقعد المسؤولية ومفارقتك كرسي الإنقاذ.. يأتي عشرات المرات.. يأتي والمتعافي والياً على الخرطوم.. ومجذوب الخليفة والياً على الخرطوم.. والخضر والياً على الخرطوم.. يأتي والفريق عبد الرحيم محمد حسين والياً على الخرطوم.. وكل هؤلاء فرادى أو مجتمعين.. لا يستطيع أحد منهم أو كلهم أن يجبر راعي أو مربي ماشية أن يبيع جبراً وبالقوة.. و(رجالة).. لا يستطيع إجباره على بيع (سخلة) دعك من خروف أو نعجة.. يبيع ذاك الراعي أو المربي بالثمن الذي يريد.. أو يطلب كان ذلك لمواطن عادي أو حتى للوالي (ذاتو) (شفت كيف) كنا وكيف أصبحنا.. واللهم لك الحمد والشكر آناء الله وأطراف النهار.
سعادة اللواء.. أما التجار الذين عاشوا الرعب في تلك الأيام المفزعة.. عندما كنتم تقررون فجأة وبلا أدنى دراسة أو استقصاء أسعار الموز والبطيخ والشاي ولبن البدرة.. هؤلاء سيدي اللواء الآن هم سادة وأباطرة وملوك السوق.. يمكنهم (وبقلب قوي) أن يبيعون حتى للسيد الوالي (ذاتو) سكر أو شاياً أو لبناً أو قمحاً بالسعر والثمن الذي يريدون، ولا تستطيع قوة في الأرض أن تفرض عليهم ثمناً وسعراً محدداً لسلعة محددة، فقد اجتاح البلاد طوفان تحرير الأسعار وأنطوت تلك الأيام ولله الحمد الذي كنتم تقررون سعر كيلو الموز وثمن البطيخة ورطل الشاي.. بالمناسبة.. سؤال ظل يعربد ويدور في رؤوسنا منذ ذاك الحين وحتى اليوم.. من الذي كان يقرر تلك الأسعار.. هل هو الوالي أو نائب الوالي أو السيد (الكندي) أم هي وزارة التجارة.. وعلى أي أساس وما هي القواعد والمعادلات التي كانت تبنى عليها تلك الأسعار؟؟.
سعادة اللواء يوسف.. هل تعلم إنه اليوم لا يستطيع والي الخرطوم أن (يكسر) (حيطة) واحدة لتنساب حركة المرور حتى وإن كان الاختناق المروري يعيق حركة عربات رئاسة الجمهورية نفسها.. فقد آلت سلطة الفرد الذي يقرر فجأة وينفذ فوراً إلى (حاجة) اسمها الشؤون الهندسية ومصلحة للطرق ونظام يقوم به علماء يعمل في دقة الساعة.. بكره حلقة الختام