مقالات متنوعة

د. عارف عوض الركابي : صدقة الفطر تخرج من قوت البلد وفي وقتها المُحــــــدَّد

سميت صدقة الفطر .. فهي ترتبط بالفطر من صيام رمضان، ولذلك ناسب أن يكون إخراجها وتسليمها لمستحقيها متزامنا أو قبيل الفطر .. فوقت الاستحباب لاخراجها يكون بعد صلاة الفجر من يوم العيد وقبل أن يشرع الإمام في صلاة العيد .. هذا هو وقت الاستحباب أما وقت الجواز فيكون قبل العيد بيوم أو يومين .. وقد شرعت مع تشريع فرض الصوم في السنة الثانية للهجرة النبوية. ومقصد التشريع منها .. طهارة للصائم .. مما أصابه من اللغو والزلل والخطأ .. وطعمة للمسكين .. ليشارك الفقراء والمساكين إخوانهم فرحتهم .. وأما ماذا تخرج ؟ فقد أخرجها النبي عليه الصلاة والسلام من القوت .. وأمر أن تخرج من القوت (قوت أهل البلد).. البر والشعير والتمر .. وغيرها .. فقد ورد في الصحيح عَنِ ابْنِ عُمَرَ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : فَرَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاَةِ. وفي رواية مسلم عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ فَرَضَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- صَدَقَةَ رَمَضَانَ عَلَى الْحُرِّ وَالْعَبْدِ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ. قَالَ فَعَدَلَ النَّاسُ بِهِ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ. فليسع كل مسلم ومسلمة أن يؤديها كما أمر عليه الصلاة والسلام .. وكما أخرجها الصحابة الكرام .. وفي القاعدة الفقهية المشهورة عند الأصوليين والفقهاء (الخروج من الخلاف مستحب) وعبَّر عنها بعضهم بقوله (الخروج من الخلاف أولى) و(الخروج من الخلاف آكد) .. في هذه القاعدة صلة بهذه المسألة، وذلك بإخراجها كما أخرجها النبي عليه الصلاة والسلام من قوت أهل البلد في أمره بذلك.. وتوضيح صلة القاعدة الفقهية بهذه المسألة في البيان الموجز التالي : إن جمهور العلماء يقولون إنه يجب إخراجها وتسليمها للفقراء قوتاً ..ولا تجزأ القيمة .. ومنهم فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة.. والحنفية أجازوا إخراجها نقداً بقيمة الصاع ويجيزون إخراجها قوتاً .. فمن أخرجها نقداً كان على قول جمهور أهل العلم عمله لا يصح .. وأما إذا أخرجها من القوت فإنه على قول الجمهور وكذلك الأحناف يكون مصيبا .. فيخرج بذلك من الخلاف .. فيخرجها قوتاً ويكون بذلك قد أصاب على قول جميع أهل العلم . وهذه القاعدة من القواعد التي يكسر بها التعصب والتحزب الذي هو من آفات وبلايا العصر .. فكم من العلماء من عمل في مسألة أو مسائل بمذهب غير مذهبه خروجاً من الخلاف .. كأن يدلك في الوضوء غير المالكي .. ويتوضأ من أكل لحم الإبل من لا يرى أنه ينقض الوضوء وغير ذلك .. ولا حجة لمن يقول لا أجد من يأخذ القوت .. فهناك من أئمة المساجد وأهل الفضل من يجمعونها ويأخذون النقد باعتبارهم وكلاء ويشترون بالنقد قوتاً ويحسنون توصيله لمستحقيه .. كما أنه لا حجة لمن يقول إن الفقير يحتاج النقد أكثر من حاجته إلى القوت فيقال له : لقد كان النقد موجوداً في زمن النبي عليه الصلاة والسلام ومع ذلك أمر بإخراجها من القوت .. والترك – أي ترك الفعل من النبي عليه الصلاة والسلام – مع قيام ووجود المقتضي يدل على عدم مشروعية العمل كما هو مقرّر عند علماء أهل الأصول، كما لا يخفى أن زكاة الأموال وعروض التجارة والنقدين وغيرها مما يخرج مالاً طيلة أيام العام .. فلتبق صدقة الفطر شعيرة تنقل وتوزع .. وخير الهدي هدي محمد عليه الصلاة والسلام .. ولتخرج قبيل الفطر في وقت الاستحباب أو الجواز فسميت صدقة (الفطر) وارتبطت به فتخرج قبل العيد بيوم أو يومين، ولا تخرج قبل ذلك، أي لا تصل إلى الفقراء إلا قبل العيد بيوم أو يومين ، وأما من أراد أن يسلمها الوكيل قبل ذلك لتصل إلى الوكيل ولا تصل إلى الفقراء إلا في الوقت المحدّد لها فيجوز ذلك ..