الجهر بالإفطار في رمضان.. من له حق العقاب؟
جدل نشأ مع حلول اليوم الأول من رمضان هذا العام، تسببت فيه فتوى من دار الافتاء المصرية التي نشرتها على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي، ذكرت فيها إنّ “المجاهرة بالفطر في نهار رمضان لا يدخل ضمن الحرية الشخصية، بل هو نوع من الفوضى والاعتداء على قدسية الإسلام، لأن المجاهرة بالفطر في نهار رمضان مجاهرة بالمعصية، وهي حرام”.
زادت تلك الحالة من الجدل بعد حملة قام بها حي العجوزة على عدد من المقاهي، دفع ذلك بعض المفطرين من الشباب لتجنب الوجود في الشارع، مسبباً لهم حالة من القلق.
لم تكن تلك المحاولات الأولى لتجريم الفعل، ففي إحدى الدورات السابقة لمجلس الشعب المصري تقدم مدير عام المساجد آنذاك في وزارة الأوقاف، بمشروع قانون ينص على عقاب كل من يجاهر بالإفطار في نهار رمضان بالحبس مدة لا تقل عن ثلاثة أيام وغرامة لا تقل عن 100 جنيه، والحبس شهراً لمن يفتح مطعماً أو يسهل تناول الطعام جهراً في رمضان، لكن القانون لم ير النور.
محمد إمام (25 عاماً) أحد من تعرضوا لتلك الحملات، في اليوم الأول من رمضان، أثناء جلوسه مع أحد أصدقائه على مقهى في وسط البلد. يروي لـ”جيل العربي الجديد” أنه أثناء جلوسهم، ظهر فجأة بوكس تابع لقوات الشرطة؛ لكنهم تركوا الحساب وتحركوا بسرعة من المكان، واختاروا الوقوف بعيداً لمراقبة ما سيحدث.
”
لا يوجد أي نص قانوني يبيح القبض على المجاهرين بالفطر في رمضان، أو يعاقب عليه
”
بدأت الحملة بالكشف على البطاقات الشخصية الخاصة بالموجودين، وجمع المسلمين منهم داخل البوكس. لم يعلم محمد بعدها مصيرهم، معرباَ عن دهشته لما يحدث، خصوصاً وأنه يعلم أن تلك الحملات ليست الأولى؛ فالسنوات السابقة شهدت حملات مماثلة لكنها لم تكن بتلك الكثافة.
دفعت تلك الحملات محمد للبحث عن سند قانوني يثبت صحتها، بإجراء اتصال بالشكاوى والاستفسارات بوزارة الداخلية، فأخبروه أن تلك اجتهادات فردية من الضباط، ولا يوجد بها أوامر أو منشور، لكن أحياناً يكون الأمر ببلاغ رسمي من الأهالي في المنطقة.
واصل محمد تساؤلاته إن كان الإفطار يعد جريمة، وأخبرته الشكاوى بأنه في حاله كونه بلاغ من أحد الأهالي بخصوص أحد المقاهي، فإن الحملة الأمنية من المفترض بها إنهاء المخالفات الموجودة في المقهى، دون القبض على المتواجدين فيها.
تلك الحملات لم تقتصر على منطقة وسط البلد فقط، فعدد من أصدقاء محمد أخبروه بتكرار الأمر في منطقة المقطم في أحد المقاهي، بمداهمتها وتكسير الكراسي وإغلاقها وإجبار الجالسين على المغادرة دون القبض على أحد.
عادل عيسى، تعرض لموقف مشابه، بعد يوم السبت 12 حزيران/ يونيو بدخول قوة من القسم لأحد مقاهي وسط البلد، والكشف على البطاقات الشخصية للمتواجدين، من هم أقل من 18 عاماً تعرضوا للتكدير، بحد تعبيره، لكنه في النهاية لم يٌقبض على أحد.
يوضح عادل لـ”جيل العربي الجديد”، أن الأمر تكرر بمنطقة الموسكي، من قبل قوة من حي الأزبكية، بالقبض على عدد من المتواجدين في مقهى وتحويلهم لقسم الأزبكية، مشيراً إلى أنهم خرجوا في النهاية ولم يُحرر لأحد منهم محضر.
يري عادل أن الجدل لم يعد حول “هل الإفطار حرية شخصية أم لا؟”، لكنه تحول لعواقب ذلك الفعل، التي قد تتحول لمشادات مع المارة في الشوارع حال رؤيتهم أحد المفطرين، بحجة عدم مراعاته لشعور الصائمين، وهو ما حدث بالفعل مع أحد أصدقائه.
يشير عادل أنه على الرغم من كونه صائم إلا أنه بعد تعرضه لحالة من الإجهاد، اضطر لتناول الطعام، لم يكن يستطيع أن يتناول شيئاً في الطريق خوفاً من التعرض لمضايقات، أو ما هو أسوأ في حالة الجهر بإفطاره، معلقاً: “المجتمع بات يفرض العقوبات، وليس الله”.
يعتبر أن ما حدث منذ بداية رمضان أحدث حالة من القلق لدي المفطرين، وحاولوا الابتعاد عن الجلوس على المقاهي أو حتى مجرد الانتظار عليها، موضحاً أنه حاول سؤال أصحاب المقاهي حول وجود تعليمات بالفعل تجبرهم على الإغلاق في نهار رمضان، فأخبروه أنها تتم بصفة ودية، ويضطر بعدهم لذلك خوفاً من التعرض لمضايقتهم.
عادل رمضان، المحامي ومسؤول ملف حرية الدين والمعتقد بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، أكد لـ”جيل العربي الجديد”، أنه لا يوجد أي نص قانوني يبيح القبض على المجاهرين بالفطر في رمضان، أو يعاقب عليه، موضحاً أن الحملات التي تمت من قبل موظفي الوحدات المحلية والأحياء استغلوا سلطتهم على المحال العامة بحجة المخالفات الموجودة لإجبارهم على الإغلاق.
ويضيف أن فتح المقاهي في نهار رمضان لا يوجد فيه أي مخالفة للوائح أو القوانين الموجودة، وأن نفس القواعد التي تطبق في غير رمضان تطبق فيه والقانون لم يفرق بين الأيام في التصاريح وفتح المحال.
وحول توصيف البعض للجهر بالإفطار كفعل فاضح في الطريق العام، أشار إلى أن الفعل الفاضح يجب أن يكون فعلا جنسياً يخدش حياء العامة، وفقاً للقانون، وتناول الطعام والشراب لا يدخل ضمن تلك الأفعال بالتأكيد.
المحاضر المُحررة يعتبرها عادل “وهمية”، دون أساس قانوني، معظمها بدوافع أخلاقية وعقائدية وكل الحالات في حالة تحويلهم للنيابة العامة يُخلي سبيلهم بالفعل، مؤكداً أن تلك ليست الحادثة الأولى؛ فالأمر تكرر في الأعوام السابقة، متابعاً: “ربما أثرت فتوى دار الإفتاء في زيادة الحملات، خاصة مع شعور الضابط بأن السند الموجود لديه شرعي برفض الجهر بالإفطار”.
الشيخ أحمد ترك، مدير عام مراكز التدريب بوزارة الأوقاف، وضح الأمر برفض القبض على المفطرين، معتبراً الأمر ضد منهج الرسول، مظهراً الإسلام كدين عنف وإجبار، وهو ما ينفر الشباب منه، موضحاً في حديثه للبرامج التلفزيونية أن الأفضل مواجهة المفطرين بالدعوة وليس القبض.
العربي الجديد