الكتابة بمداد الأسف!!
} ظل أبو بكر الصديق رضوان الله عليه يدفع كل ما يملك في سبيل الدعوة.. يدافع ويكافح وينافح ويهاجر.. ويتحمل الأذى والسخرية والفاقة والقهر وهو إبن العز وعز العز وشرف النخبة ورحيق النخوة.
والمواقف شتى حيث يلجم بيانه الخصوم (إنني أصدقه في خبر السماء)..
باع كل شيء في سبيل إسلامه وشعبه فتحول أهل بيته إلى مستشهدين حيث تربط اسماء (قوت) الرحلة القدسية بثوب وتتغطى بآخر وهي تخترق الظنون والعيون والرواصد والراصدين، وتدوي كلماتها الفياضة باليقين وكل القلوب واجفات، وقد رحل المصطفى وانقطع خبر السماء.. وقف وحده كالرمح والأعين محض أدمع والقلوب محض هواء والإيمان في رقت الوليد قبل الأربعين ودوي الشعار الخطير المتوحد.. (يا أيها الناس.. من كان يعبد محمداً فإن محمداً قد مات.. ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت وقرأ الآية (وما محمد…) وتعجب عمر وقال وهو الذي يطابق قوله القرآن (لكأني أسمعها أول مرة)!!
وكانت السقيفة حيث يتحول الأثر والنصوص إلى واقع ويختار الناس وقد اختاروه وهو يومها أكبر من الإختيار ومن الاختلاف.
كان أبو بكر وكانت غزوة الروم لأسامة الصبي الأغر الذي عقد له الكبار اللواء لأن الرسول فعل، وغبّر الشيخان الأقدام في سبيل الله..
والأدب ينداح إما أن أترك وإما أن أترجل .. والدنيا الحوار والقبول وعلي الطاعة شهود.
وذات الصباح الرمز يسمو ويحارب بيقين أقوى من صفوان الصحاري وفتنة الردة ومانعي الذكاء، وكان الضياء الذي غمر به أبو بكر الدنيا بثقافة إيمان باهرة وسنّة عملية لا تعرف التنازل مثلما لا تعرف التنطع.. مات وقلبه على دعوته وأمته فقيراً مثل سائر الناس.. بعد أن ملأ قلوب الناس بالعقيدة واليقين والزهد والحب والكرمات. وعبر هذا المنهج وعبر هذه الإبتلاءات ارتضى الشعب المسلم خليفته وحاكمه وقد مضى والمسافة بين المسلم والمسلم واضحة والمسافة بين المسلم والمنافق جلية وما بين المسلم وأهل الكتاب معهودة ومشهودة ومحفوظة.
< وجاءت شرعية عمر بالإختيار والجهاد والتواضع والزهد والتعفف.. كان ظهره رضوان الله عليه تعِباً من حمل دقيق الأيتام وكانت نفسه فياضة بالنقد الذاتي يزجرها ويسمّي نفسه بعمير ويرد فائض توفير زوجته لبيت المال.
مات وقد أذلّ بسيفه العادل جبروت الفرس والروم ومضى وقد غدت رماح الفقراء العرب تنافس ممالك الفرس والروم وأطلق شعوب الملوك من قيد الملوك إلى رحاب الله.
} ومن بعد نال الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز شرعيته حين نجح مشروعه الإقتصادي والأخلاقي والإجتماعي والسياسي في عام واحد، نعم عام واحد لأن البرنامج كان حقاً مطلقاً ما بين فاطمة زوجته المروانية المترفة التي صارت بطوعها خادمة في خيمة عمر الزاهد، وما بين عمر ونفسه التي عرفت قدرها.. نفسه التي كانت تبترد بالعطر فيبقى العطر في الدروب أياماً، وبين نفسه الجديدة التي بقي عطرها الروحاني في قلوب هذه الأمة ذاكياً إلى أن تقوم الساعة.
مضى عمر والمسلم مسلم والمؤمن عزيز وسيفه موغل في قلوب الطغاة ورشده سامق في أنفس الحيارى من أحباب الهداية وطلابها. ومن هنا جاءت شرعية عمر وحرياته وتمثيله الصادق لجماهير..
ويطلّ سيدي هارون الرشيد الأمير الذي كان يحج عاماً ويغزو عاماً.. الأمير الذي أثمر المال في عهده حتى أترف الحق كله وبعض الباطل المستتر.. الخليفة المفتوح الجناح الذي احتمل الزمان في عهده الفقه والحكمة والتفسير والتراجم والشعر والزجل والغناء والأزاهير والرصافة والجسر.. الخليفة الذي جاءته أوربا تطلب الحكمة والطب والتمدن والكياسة، فخلع مجده حباً على جيرانه.. حين كسرت القنا الأعين وكسر المجد القلوب.
ومن كل ملاءة العز هذه جاءت شرعية الرشيد، وجاء حب الناس الذي خلط فيه واختلطوا حتى صار مجداً كالأساطير يحتمل خير الدولة ونهارها الوضاح مثلما يحتمل على حواشيها ألف ليلة وليلة .
ويطل محمد الفاتح العثماني الذي أذاق القسطنطينية وأمها أوربا ذوق التأدب وهي ترنو صوب الكعبة الحرام وبيت المقدس المستحيل..
ويطل صلاح الدين الأيوبي سيّد الفتح الكبير المزهو بالكتاب والرضى والشجاعة والتجرد…
آلاف من القيادات الرموز والخلفاء النجوم والعهود التي صارت عقوداً تتلألأ على جيد الزمان (العاطل) قبل إطلالة أصحاب محمد وإخوانه وأتباعه..
ذكرنا كل هؤلاء الكرام العظام لعلنا نتأسى ونتسلى وننسى دمنا المهدر ومدننا المستباحة وشبابنا القتيل..
ذكرنا كل هؤلاء لعلّ حكام العرب يتذكرون، ولو في الحلم، أنهم لم يكونوا أبداً خير خلف لأفضل سلف.. يتطاولون بالشكل والقشور ودهان الشرعية.. وما يدعون من الفضائل، منهم براء.