أندية أوروبا الخليجية.. أموال النفط تجتاح الملاعب الأوروبية
صار المستثمرون الخليجيون يملكون مقعدًا مهمًّا في الملاعب الأوروبية، بعدما تدفقت أموال النفط الخليجية إلى خزائن نخبة من الأندية الأوروبية العريقة، التي أصبحت منصةً لإشهار العلامات التجارية الخليجية، ما يثير تساؤل البعض حول حجم النفوذ الخليجي في الملاعب الأوروبية.
بداية الاستثمار في الكرة الأوروبية كانت مصرية!
انطلقت رحلة الاستثمار العربي في الكرة الأوروبية منذ عام 1997، مع رجل الأعمال المصري، محمد الفايد، عندما اشترى آنذاك النادي الإنجليزي العريق «فولهام»، بصفقة قدرت حينها بثلاثين مليون جنيه إسترليني.
ساهمت أموال الملياردير المصري في تبرئة نادي «فولهام» من ديونه الطائلة، وأعاد تشييد البنية التحتية للفريق، وعززه بلاعبين وأطر جديدة، ما حقق للنادي إنجازات ملموسة، جعلته يصعد للدوري الإنجليزي الممتاز بعد أن كان يقبع في دوري الدرجة الثالثة، بل ويفوز بلقب الدوري الإنجليزي لموسم 2000، ويصل إلى نهائي كأس أوروبا سنة 2010.
لكن هذه النجاحات على أرضية الملعب لم تجلب عوائد مالية كافية لتعويض الأموال المهدرة على نادي «فولهام»، التي صرفها الفايد على مدار 16 عامًا، والمقدرة بـ160 مليون جنيه إسترليني، الأمر الذي قاد رجل الأعمال المصري إلى بيع النادي اللندني إلى رجل الأعمال الأمريكي، الباكستاني الأصل، شهيد خان، بصفقة بلغت المائتين مليون جنيه إسترليني، منهيًا بذلك مسيرته على رأس «فولهام»، كرمز حظي باحترام مشجعي ومحبي الفريق، لما قدمه من تضحيات مالية من أجل بعث النادي.
بيد أن الاستثمار الفعلي للأموال العربية في الملعب الأوروبي، لم يبدأ حقيقةً إلا في سنة 2010، عندما صار أثرياء الخليج يتهافتون فيما بينهم لامتلاك الأندية الأوروبية، حيث اشترى الإماراتي، الشيخ منصور بن زايد، نادي «مانشتر سيتي» وتبعه القطري، الشيخ عبد الله بن ناصر الأحمد آل خليفة، بتملك فريق «ملقا» الإسباني، ثم اشترت مجموعة «رويال دبي» نادي «خيتافي» الإسباني، دون أن ننسى الصفقة الاستثمارية التاريخية التي استحوذت بموجبها «مؤسسة قطر للاستثمارات الرياضية» على نادي «باريسان جيرمان» الفرنسي، بالإضافة إلى شراء الأمير السعودي، عبد الله بن مساعد، نصف الحصص من أسهم نادي «شيفيلد» الإنجليزي عام 2013، في استثمار يعد الأول للسعوديين في الملاعب الأوروبية.
وحضرت أيضًا بعض الأسماء العربية غير الخليجية في استثمارات الكرة الأوروبية، كرجل الأعمال المصري، ماجد سامي، الذي ملك نادي «ليرس» البلجيكي، والمستثمر الأردني حسين إسميك، الذي اشترى نصف أسهم نادي «ميونيخ الألماني».
الكرة الأوروبية تحت رحمة أموال الخليجيين
في سنة 2010، اشترى الإماراتي، الشيخ منصور بن زايد، نادي «مانشستر سيتي» الإنجليزي، بصفقة تجاوزت 210 ملايين جنيه إسترليني.
فأصبح بذلك، الشيخ منصور بن زايد المالك الوحيد للنادي الإنجليزي العريق، الذي سيضخ 500 مليون جنيه إسترليني في ميزانية النادي دفعة واحدة في نفس العام الذي اشترى فيه الفريق، صرفت تلك الأموال الطائلة في تجهيز البنية التحتية للنادي، وذهب معظمها في سوق شراء النجوم واللاعبين، ويكفي استقدام آنذاك اللاعب البرازيلي، روبينهو، بمبلغ وصل لـ32,5 مليون جنيه إسترليني، ليصبح الفريق أغنى الأندية في إنجلترا لموسم 2009- 2010.
عادت الأموال الإمارتية بالفضل على «مانشستر سيتي»، حيث تمكن الفريق من الفوز بكأس الاتحاد الإنجليزي في 2011، وحصل على لقب بطولة الدوري الإنجليزي الممتاز سنة 2012، ونال الدرع الخيرية في 2013، كل ذلك حصل خلال فترة قصيرة بعد أن غاب عن الأضواء طوال 45 عامًا.
سار القطريون على نهج نظرائهم الإماراتيين، واشترت «مؤسسة قطر للاستثمارات الرياضية» في عام 2011 نادي فرنسا العريق «باريسان جيرمان»، بصفقة شراء بلغت قيمتها الإجمالية مائة مليون يورو، ليصبح النادي تحت رئاسة ناصر الخليفي.
صرفت مؤسسة قطر في الثلاث سنوات الموالية مبلغ 364 مليون يورو في سبيل تجديد الفريق، واستقدام النجوم وأشهر المدربين، وتتذكر جماهير الكرة جيدًا صفقة شراء نجمي فريق «ميلان» الإيطالي، زلاتان إبراهيمموفيتش وتياغو سيلفا، التي أبرمت بمبلغ 65 مليون يورو. وكما حدث مع نادي الإمارات، استطاع «باريسان جيرمان» الظفر بلقب الدوري الفرنسي في موسم 2012- 2013، بينما لم يذق طعم اللقب منذ 1994.
لكن اهتمام الخليجيين بالكرة الأوروبية لا يقتصر فقط على شراء الأندية، وإنما قبل ذلك في مجال الإشهار والتسويق.
كانت شركة «طيران الإمارات» المدعومة من طرف حكومة دبي سباقة في دخول السوق الرياضية الأوروبية منذ سنة 2001، حينما وقعت عقد رعاية مع « تشيلسي» الإنجليزي بقيمة 40 مليون دولار لمدة ثلاثة أعوام، ثم أبرمت الشركة بعدها أكبر عقد رعاية في تاريخ كرة القدم الإنجليزية مع فريق «أرسنال»، بلغ 150 مليون يورو، ونص هذا العقد على إطلاق اسم الإمارات على ملعب الفريق لمدة 15 عامًا، مع وضع اسم الشركة لمدة ثمانية أعوام على قمصان اللاعبين ابتداءً من موسم 2006/ 2007.
بالإضافة إلى فريق أرسنال، يظهر حاليًا شعار الشركة «طيران الإمارات» على قمصان فرق من النخبة الأوروبية، مثل ريال مدريد الإسباني، وميلان الإيطالي، وباريس سان جيرمان الفرنسي، وهامبورغ الألماني، وأولمبياكوس اليوناني.
شركة «طيران الاتحاد» التابعة لمجموعة أبو ظبي القابضة، هي الأخرى تشهر علامتها التجارية على قمصان لاعبي «مانشستر سيتي»، بطل الدوري الإنجليزي.
في نفس الاتجاه ذهبت قطر، إذ وقعت شركة «قطر للطيران» عقدًا لرعاية قميص نجم الأندية الأوروبية «برشلونة» الإسباني، بصفقة بلغت 30 مليون يورو مقابل الموسم الواحد.
ويبين تقرير حديث لشركة «ريبوكوم» للاستشارات حجم توغل الأموال الخليجية في سوق الإشهار الرياضي في أوروبا، فتذكر أن الشركات الإماراتية والقطرية استثمرت نحو 160 مليون يورو في موسم 2015 فقط، وهو ما يعادل ربع الإنفاق الإجمالي لشركات العالم العاملة في مجال رعاية القمصان بالدوريات الأوروبية.
ماذا يريد الخليجيون من الاستثمار في الكرة الأوروبية؟
على الرغم من أن الأموال الخليجية ساهمت في تحقيق بعض الأندية الأوروبية قفزة في مشوارها الكروي واغتنائها السريع، غير أن العائدات المالية بالنسبة للمستثمرين الخليجيين تبقى ضعيفة، مقارنة مع حجم الأموال المهدرة. وبالتالي فإن هاجس الربح يظل مستبعدًا في دوافع شركات الخليج المستثمرة في الكرة الأوروبية.
حظى أخبار الكرة الأوروبية بحضور واسع على شبكة الإنترنت، وخصوصًا على مواقع التواصل الاجتماعي، كما لا تفوت جماهير العالم العاشقة للساحرة المستديرة فرصة الاستمتاع بمشاهدة مباريات الدوريات الأوروبية على شاشة التلفاز، ومن ثم غدت الملاعب الأوروبية منصة ممتازة للتسويق والإشهار بالنسبة للشركات.
وتبعًا لذلك، كما يقول رئيس الإستراتيجية الدولية في شركة «ريبوكوم»، غلين لوفيت: «فإن استثمارات شركات الشرق أوسطية في رعاية الأندية تهدف إلى صنع «برستيج» خاص بها، يساعدها في بناء علامة تجارية قوية، وهو ما يحققه لها الارتباط بأندية كرة قدم أوروبية كبيرة».
من جانب آخر، يظهر تهافت المستثمرين الخليجيين على الأندية الأوروبية في فترة زمنية واحدة، كنوع من الموضة والتباهي أكثر مما هو استثمار يهدف إلى الربح والتطوير.
لكن كيفما كان الوضع، فقد حققت هذه الاستثمارات غايات رمزية لا تقل قيمة عن المادية، مثل تزايد الاهتمام العالمي بمنطقة الخليج، وتخفيف القتامة الحقوقية التي تغلف المنطقة، وإكساب الشركات الخليجية شهرة عالمية، بالإضافة إلى امتلاك قوة ناعمة يمكن استخدامها للتأثير في الرأي العام الأوروبي.
من جهة أخرى، لا يحظى التوغل الخليجي في الكرة الأوروبية بقبول عام لدى أوروبا، إذ ما تزال لحد الآن على الأقل بعض الأندية تستعصي على إغراء الأموال الخليجية، مثل فريق «بايرن ميونيخ» الألماني، الذي سبق له أن رفض عرضًا خليجيًّا، معللًا قراره بأن «الأمر واضح فجمهورنا لن يحب ذلك. ولنكن واضحين، نحن لا نحب ذلك أيضًا».
كما أصبح الاتحاد الأوروبي يلتفت في السنوات الأخيرة إلى خطر المال الخليجي المكثف على اللعب النظيف للكرة الأوروبية، وما يعني ذلك من غياب تكافؤ الفرص بين الأندية المتنافسة، ما جعله يفرض عقوبة مالية، قدرها ستين مليون يورو، على فريقي «مانشستر سيتي» المملوك للشيخ منصور بن زايد آل نهيان، و«باريسان جيرمان» العائد لمؤسسة قطر، سنة 2014. وذلك بسبب مخالفتهما لوائح اللعب النظيف، التي تلزم الأندية الأوروبية على الاعتماد في تمويلها على أنشطة النادي، مع تلقي دعم محدود من مصادر استثمارية خارجية، علاوة على عدم السماح بتحقيق خسائر مالية بأكثر من 45 مليون يورو خلال موسمين.
إلى ذلك، يتساءل آخرون لماذا لا تختار الاستثمارات الخليجية طريقها إلى الملاعب العربية، لتطوير لعبة كرة القدم في المنطقة؟
ساسة بوست