الكاروري.. أين الذهب..!
في مثل هذا التوقيت من العام الماضي تم الإعلان عن مؤتمر صحفي حاشد يخاطبه وزير المعادن الدكتور أحمد الكاروري ..كان من المفترض أن ينقل الوزير تفاصيل الكنز الذي وجد بأرض السودان.. المؤتمر تم إلغاؤه في اللحظات الأخيرة مما زاد الأمر تشويقاً..بعيد أيام تم تنظيم حفل محضور في القصر الجمهوري .. الوزير أكد أن أرض السودان تحمل في جوفها كنزاً ذهبياً يزن ستة وأربعين ألف طن..وأن شركة روسية رائدة ستتولى الأمر ..قدر الوزير قيمة الكنز (٢٩٨ ) مليار دولار..وعد الكاروري الشعب ببداية الإنتاج بعيد ستة شهور ..العام الأول حسب تصريحات الوزير سيكون الإنتاج في حدود (٣٣) ألف طن..السيد فلادمير جاكوب مدير الشركة الروسية المنقبة وعد حكومتنا بقرض حسن في حدود خمسة مليارات دولار.
مضت الآن ستة أشهر ولم نسمع خبر عن ذهب الكاروري ولا قرض جاكوب.. الوزير في آخرلحظة إعلامية أكد أن شركة كوش الروسية تعتبر الأكبر في مجال التعدين عن الذهب في السودان..هذا يعني أن شركة كوش أنتجت ما يفوق إنتاجية سبيريان وهذا يجعل حكومتنا في خزينتها ما يعادل قيمة خمسين طناً من الذهب وذلك بخلاف إنتاج الشركات الأخرى والتعدين الأهلي ..أو أن شركة سيبريان باعتنا الأوهام بأغلى ثمن وهذا هو الراجح.
الأوضاع الآن غير مبشرة..الربع الأول شهد عجزاً في الميزان التجاري فاق المليار دولار..فيما صادراتنا لم تتجاوز الستمائة مليون دولار ..الدكتور بابكر محمد توم رئيس اللجنة الاقتصادية بالبرلمان في وقت سابق أراد تطميننا عبر حديثه للزميلة الصيحة ..حيث ألمح الخبير الإنقاذي أن مؤشرات الربع الأول يجب ألا يعول عليها كثيراً..ولكن ذات الرجل عاد وأكد أن العجز التجاري ربما يصل في نهاية العام إلى مابين الخمسة والستة مليار دولار ..إن صدقت قراءة الرجل سنواجه عجزاً يصل إلى نصف الموازنة التي أجيزت في بداية العام الجاري.
الحكومة خرجت خاسرة في حربها على الدولار..آخر التوجيهات قضت بأن يشتري بنك السودان ذهب التعدين الأهلي بأعلى من سعره..وذلك حتى لا يضطر المنقبون إلى تصدير بضاعتهم بطرق أخرى..لكن هذه الإستراتيجية تشبه مصيدة التسلل في كرة القدم..شراء الذهب بأعلى من سعره يجعله يمضي طوعاً إلى خزائن الحكومة ..لكن هذا يعني الاضطرار لطباعة أوراق عملة مما يزيد من معدلات التضخم..في ذات الوقت سيضغط السوق الأسود على الدولار الأخضر الذي كان يعود بطرق أخرى لداخل البلاد..الطلب الملح على الدولار بجانب زيادة عرض النقود يؤدي إلى انخفاض عملتنا الوطنية.
نعود إلى بشريات الكاروري التي كانت أشبه بالحمل الكاذب ..حتى هذه اللحظة لم يحدث تأثير إيجابي على صادرات البلاد..الكنز الذي تحدث عنه الكاروري كان يمكن أن ينقل البلاد إلى مصاف الدول المتقدمة..تعتبر الصين أكبر منتج للذهب في العالم.. كل إنتاجها نحو (٤٥٠ )طناً من الذهب..أليس من واجب المجلس الوطني أن يستدعي وزير المعادن ..أو على أقل تقدير يكون لجنة برلمانية تقف على (غلوتية) الكنز الروسي.
بصراحة.. لن يحدث أي شيء..بشريات الكاروري ذهبت مع الريح..سننتظر وزيراً آخر يسوق لنا حلم أننا نسبح فوق بحيرة من النفط ..من حسن حظ الوزراء الكلام في السودان بالمجان وربما هنالك (بونص )إضافي .