طه النعمان : في ضيافة.. خادم الحرمين الشريفين (2)
* كانت المحطة الثانية.. بعد الصلاة في الحرم النبوي والسلام على ساكنه سيد الخق، عليه الصلاة والسلام.. هي زيارة جبل أحد والسلام على سادة الشهداء الذين اشتروا أخراهم بحياتهم الدنيا فرضى الله عنهم ورضوا عنه.. كانت المحطة الثانية هي “معرض القرآن الكريم” .. فما أعظمه من معرض وما أجله من عمل.. وهناك تعرفنا عن قرب على تفاصيل هذه “المحفظة التاريخية” للكتاب المقدس، الذي أنزله الله، وكيف تحققت “إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”.
*فقد عني المعرض بالمخطوطات القديمة للمصاحف والتعريف بها، وبالأدوات المستخدمة في كتابتها واللوحات الجمالية وأنواع الخطوط عبر مختلف الأزمنة، وبأحجامها المتباينة.. حيث أدهشني شخصياً وجود مصحف مجلد بيلغ طوله نحو (140) سنتمترأ وعرضة أكثر من 80 سنتمتراً، فهو الأكبر في العالم.
*تحدثت إلى المشرف على المعرض د. حمزة موسى، أستاذ القرآن بكلية المسجد النبوي، حول تقنيات هذا المعرض الفريد الذي يطل مباشرة على المسجد النبوي، بل هو جزء من عمارته، ولم يتجاوز عمره عاماً واحداً، فأوضح لي إنهم استعانوا في إقامته وتصميم قدرات الحفظ فيه وصيانة موجوداته، بكل ما إبتدعه العقل البشري من آليات وتقنيات من مختلف دول العالم، فوفروا المناخ الضروري لبقاء هذه الموجودات في أحسن حال لأطول الآماد، كما أنهم جهزوه بأنجع سبل الأمان ضد الحريق والكسر وأدوات الإنذار المبكر لأي طاريء مهما كان خطره، عبر أدوات مستحدثه للحماية الذاتية.
*ومعرض القرآن الكريم هو توأم “معرض أسماء الله الحسنى” الذي يقف إلى جواره شامخاً هو الآخر.. وقد تم برعاية مباشرة من الأمير فيصل بن سلمان أمير منطقة المدينة المنورة، وبإشراف وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف ووزيرها صالح بن عبد العزيز آل الشيخ… ويبرز هذا الإهتمام الفائق بمعرض القرآن ، من خلال تصميم الشعار أو “الهوية” البصرية لواجهة المعرض، حيث استخدم الخط الكوفي، بوصفه أحد الفنون الإسلامية الأصيلة، مع تطويره للتعبير عن الحداثة ومجاراة العصر، وذلك لإبراز الشخصية المستقلة للمعرض.
*وحتى يصبح محتوى المعرض في غاية الإتقان، تم تكوين فريق من المختصين الأكاديميين، مهمته جمع المادة العلمية والتحقق من موثوقيتها وتحريرها لتصبح ميسرة تناسب جمهور الزوار، وذلك- طبعاً- بعد مراجعتها وتدقيقها شرعياً ولغوياً، وإدخال الاستداركات الضرورية بغرض الإثراء والتجويد.
*وبما أن العربية هي لغة المعرض الأساسية، وبما أن زوار المعرض لا يقتصرون على القراء العرب، بل يزوره أقوام من مختلف أقطار الأرض غير ناطقين بالعربية، فقد تم ترجمة المعلومات الخاصة بمحتوى المعرض إلى اللغة الإنجليزية.. وأبلغني د. حمزة بأنه سيصار إلى ترجمتها إلى عدة لغات حية أخرى بهدف تعميم الفائدة بإذن الله.
*والمعرض يتكون من قاعات متعددة، أولها طبعاً “قاعة الاستقبال” حيث يتم تقديم تعريف مختصر للزائر بمحتويات المعرض وبعض الإرشادات الضرورية في طريقة التعامل مع المعلومات والمحتويات.. ثم “قاعة النبأ العظيم” التي تُعرّف بالقرآن الكريم وتتحدث عن الكتب السماوية السابقة، وتطلع الزائر على جوانب ممتعة في عظمة الذكر الحكيم، ويقف الزائر على لمحات سريعة عن فضائل عدد من الآيات والسور، وجوانب من الإعجاز القرآني.. ومن ثم ينتقل الزوار إلى قاعة “تاريخ القرآن” التي تتناول قصة النزول على سيد الخلق المصطفى صلى الله عليه وسلم، وكيف كانت أحوال الناس حين انقطع الوحيُ، وقصة جمع القرآن وترتيبه منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم مروراً بالخلفاء الراشدين حتى وصل إلينا مطبوعاً في صورته الراهنة، إضافة إلى جوانب التدقيق والرقابة وحفظه عن الخطأ والتحريف، مع التعريف بأنماط خطوط المصحف العربية.
*ينتقل جمهور الزوار من ثم إلى قاعة “الجهود التاريخية للعناية بالقرآن” – وهما في الواقع قاعتان- تبرزان جهود المسلمين في العناية بكتاب الله من حيث الرسم والزخرفة والتجليد وجمع المخطوطات الخاصة عبر القرون .. بالإضافة إلى الجهود السعودية في العناية بالمخطوطات من خلال عدد من الجهات، ومنها “مكتبة الملك عبد العزيز” في المدينة المنورة، التي تضم مجموعة نادرة من أنفس المخطوطات وأكثرها تنوعاً .. هناك أيضاً قاعة “ورتل القرآن ترتيلا” حول التلاوة، وقاعة “التفسير والتدبر” وقاعة “ العرض المرئي” وقاعة “تقنيات في خدمة القرآن” وقاعة “تربية الناشئة والأسرة على القرآن” وقاعة “الجهود الحديثة للعناية بالقرآن “ وقاعة “الوداع” التي يتلقى الزائر فيها جملة من الوصايا المتعلقة بالقرآن الكريم.
(يتبع)