فِرار الكهرباء
أن تتغيب عن الكتابة اليومية لما يتاخم الشهر، ثم تعود مجددًا، عليك أن تتحسب لأمور كثيرة، أولها أن أحداثًا كثيرة عبرت وتسربت من بين أصابعك وأنت تستمع (قال تستمع قال)، بإجازتك، خاصة وأن التيار الكهربائي لا يتوقف عن السريان والغاز رخيص ومتوفر، والأسواق تحتشد بالسلع حتى تكاد تفيض وبأسعار ميسرة.
يا لها من إجازة ممتعة إذن، تردد في سرك، وتضع خطوتك الأولى في مكتبك معلناً العودة إلى العمل الروتيني القاتل، فإذا بالكهرباء تفر والإنترنت يوليك دبره، والماء لا يخرج من فوهات الصنابير إلا بدفع كهربائي، و(كهرباء مافي)، حتى في حدها الأدنى الخاص بالقطاع السكني (كهرباء المنازل)، حيث صارت القطوعات تستمر لنحو ما بين تسع وعشر ساعات بدلا عن ست.
نذهب إلى معتز موسى وزير الموارد المائية والكهرباء، ويذهب إلى البرلمان، والبرلمان ليس برلمانًا بالمعنى الدقيق – ولا داعي لمزيد من الشرح- وإلا فسد الأمر، وهناك في البرلمان الذي ليس ببرلمان يقول مسؤول الكهرباء الأول والأخير في هذه البلاد كلامًا كثيرًا، لكن يمكن اختزاله في عبارات قليلة، وهي “لا بد أن نزيد تعرفة الكهرباء”.
هذا باختصار مضمون كلام الوزير وخلاصته، وهو ذات المنهج الذي استخدم لزيادة تعرفة الماء 100%، (ولا ماء) بعد، وكذلك في زيادة سعر أسطوانات الغاز. هو تكنيك الضغط على المواطن، ويمكن تسميته الإخضاع بالقوة القاهرة، بحيث تجفف السلعة أو الخدمة المستهدف بزيادة السعر، وينشغل المواطن باللهث من أجل الحصول عليها – كما حدث في الغاز – ثم يصاب بالأعياء ويستسلم للزيادة ولو بلغت (مية في المية).
من جانب آخر تبدو قبة البرلمان وكأن تحتها (فكي)، لكن ما أن تلجها حتى تفاجأ بغياب (الفكي)، وحضور كثيف للحواريين، وهؤلاء تتلخص مهمتهم في السمع والطاعة في المنشط والمكره، فقط لا غير، ولذلك يأتي إليهم الوزراء مطمئنين، وهكذا فعل موسى والذين من قبله، ومضت الأمور كما يريدون.
بطبيعة الحال، للوزير حجج وبراهين، لكن لدى المواطن مثله أيضًا، فقط الفرق يكمن في أن للوزير منبرًا يحاجج فيه وهو (البرلمان) الذي يفترض أن يكون للمواطن، لكن دوران الدنيا عجيب! وإلا فكيف يؤتي الإنسان من حرزه الأمين؟
نذهب إلى ما هو أعمق، ونقول إن المواطن يدفع ضرائب للحكومة، بل ويدفع لها زكاة أيضًا، ورسوم وجبابات ونفايات وعبور ومرور و .. و..، فما الذي يحصل عليه مقابلها؟ هل هو تعليم، علاج، معاشات محترمة، أم حرية في التعبير والتغيير، خدمات كهرباء ومياه؟ قليل من غاز الطبخ؟ ونتساءل: أين تذهب كل تلك الضرائب؟ ولا إجابة.
بطبيعة الحال، هناك إجابة، لكنها دومًا عند الوزير أو البرلمان، والإجابة هي، لا بد من الزيادات المئوية، في كل شيء السكر، الزيت، البصل، الوقود، الماء، الغاز، الكهرباء، التعليم، العلاج.. وتذاكر مباريات كرة القدم.
الآن.. انتظروا ريثما ينصرم رمضان وعيده، وانظروا إلى الكهرباء.. تجدون الإجابة.