امام الجماهير !
أمام هذه الجماهير الطامحة إلى النسيان، المناضلة من أجل التحرّر من استعباد الذاكرة العشقيّة، أتوقّع أن يتجاوز هذا الكتاب أهدافه العاطفيّة إلى طموحات سياسيّة مشروعة. فقد صار ضروريًّا تأسيس حزب عربي للنسيان.
سيكون حتمًا أكبر حزب قومي. فلا شرط للمنخرطين فيه سوى توقهم للشفاء من خيبات عاطفيّة.
أُراهن أن يجد هذا الحزب دعمًا من الحكّام العرب، لأنّهم سيتوقّعون أن ننسى، من جملة ما ننسى، منذ متى يحكمنا بعضهم، وكم نهب هو وحاشيته من أموالنا، وكم عَلِقَ على يديه من دمائنا.
دعوهم يظنّوا أنّنا سننسى ذلك!
إنّنا نحتاج إلى أن نستعيد عافيتنا العاطفيّة، كأمّة عربيّة عانت دومًا من قصص حبّها الفاشلة، بما في ذلك حبّها لأوطان لم تبادلها دائمًا الحبّ. حينها فقط، عندما نشفى من هشاشتنا العاطفيّة المزمنة، بسبب تاريخ طاعن في الخيبات الوجدانيّة، يمكننا مواجهتهم بما يليق بالمعركة من صلابة وصرامة. ذلك أنّه ما كان بإمكانهم الاستقواء علينا لولا أنّ الخراب في أعماقنا أضعفنا، فقد أرّقتنا قصص الحبّ الفاشلة وأنهكتنا.
والوضع في تفاقم.. بسبب الفضائيّات الهابطة التي وُجدت كي تشغلنا عن القضايا الكبرى وتسوّق لنا الحبّ الرخيص والعواطف البائسة، فتبقينا على ما نحن عليه من بكاء الحبيب المستبدّ… ومن نسيان أنواع الاستبداد الأخرى!
من مقدمة كتاب “نسيان كم ” 2009