امام محمد امام : الشركة الوقفية الوطنية.. مفاهيم معاصرة للتكافل الوقفي
> اجتمع نفر كريم من كرام المواطنين في خواتيم العام الماضي للتفاكر والتشاور حول إنشاء شركة وقفية، تستصحب المفاهيم والتجارب الوقفية المعاصرة. اتصل بي أخ عزيز وصديق حميم ليخطرني بأنه رشحني للانضمام الى مجموعة عمل تخطط لانشاء شركة وقفية وطنية، وأرسل اليّ بعض محاضر اجتماعاتهم وأدبياتهم، فراقتني الفكرة، ولبيتُ دعوة اجتماع تفاكري تشاوري خُصص لكيفية الاستفادة من الوسائط الصحافية والاعلامية، في نشر ثقافة الوقف بمفهومه المعاصر، والتوعية بمفاهيم التكافل المجتمعي. ودار نقاش مستفيض عن أهداف الشركة الوقفية الوطنية المزمع انشاؤها في الأسابيع القليلة المقبلة. وعقدوا العزم على أن تكون شركة خاصة محدودة بالضمان، على أن تعمل بمفاهيم مستحدثة للوقف، في إطاره الشرعي، ومقاصده التكافلية للشرائح المجتمعية. > في البدء ينبغي أن نتعرف يا هداك الله – على مفهوم الوقف لغةً واصطلاحاً. فالوقف في اللغة هو الحبس. يُقال وقفت الدار وقفاً بمعنى حبستها، وكذلك التسبيل، يُقال سبلت التمرة بالتشديد جعلتها في سبل الخير وأنواع البر. ويقصد بالوقف أيضاً معنى آخر هو التسبيل: نحو قوله سبل ضيعته تسبيلاً أي جعلها في سبيل الله. والوقف اصطلاحاً، كما عرفته المذاهب الفقهية بتعريفات متقاربة من حيث المقصد من إنشاء الوقف ودوره التكافلي، إلا أنهم اختلفوا في الأحكام المتعلقة به، نحو حق التصرف فيه واسترجاعه وغير ذلك من الأحكام الفقهية الفرعية. ومن جملة تلك التعريفات نختار ما يلي: عرفه ابن عرفة المالكي بقوله: «هو إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازما بقاؤه في ملك معطيه و لو تقديرا»، ويتضح من هذا التعريف لزوم الوقف، وهو على ملك معطيه أي الواقف. وعرفه أبو حنيفة بقوله: «حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنافع على الفقراء مع بقاء العين»، فهو كالعارية عنده إلا أنه غير لازم لو رجع الواقف صح عنده الرجوع. أما ابن قدامة فيعرفه في»المغنى» بقوله: «تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة»، ويُلاحظ من هذا التعريف أنه لم يجمع شروط الوقف. ولخص الشيخ محمد أبو زهرة مختلف هذه المعاني التي جاءت بها التعاريف السابقة في تعريف جامع للوقف بقوله: «الوقف هو منع التصرف في رقبة العين التي يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها وجعل المنفعة لجهة من جهات الخير ابتداءً و انتهاءً»، ويرى أن هذا التعريف هو أصدق تعريف مصور جامع لصور الوقف عند الفقهاء الذين أقروه. ويستمد الوقف الاسلامي مشروعيته من قول الله تعالى: «لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ»، ومن قوله تعالى: «مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ»، ومن السنة النبوية: فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له». > لم يعد ينظر الى الوقف في المفاهيم المعاصرة، تلكم النظرة الضيقة، باعتباره مؤسسة دينية تُعنى بشؤون المساجد والقائمين عليها فقط، بل اُعتبر الوقف الاسلامي أحد مظاهر الرقي الحضاري للامة الاسلامية. فلا غرو أن أخذت به بعض الحضارات الأخرى. > في رأيي الخاص، لا ينبغي أن نحصر دور الوقف في النواحي الدينية دون الأخذ في الاعتبار ضرورة التركيز على الأبعاد الاقتصادية والمالية والاجتماعية للوقف، بحسبانه يشكل جزءً مهما من ثروة المجتمع المسلم، ويمكن توظيفه في مشاريع تكافلية تسهم بفاعلية في مساعدة الشرائح المجتمعية الضعيفة، إضافة الى تخفيف العبء عن موازنة الدولة في تقديم بعض الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية، الى جانب المساهمة الفاعلة في بعض خدمات البنية التحتية، اضافةً الى المساعدات المادية والعينية لبعض الشرائح المجتمعية الضعيفة. > أخلص الى أن الشركة الوقفية الوطنية بعد اكتمال إجراءات تسجيلها، ستعمل جاهدة على إحياء ثقافة الوقف من حيث المفاهيم والتجارب، للتعريف بدوره المهم في قضايا التكافل والتعاضد المجتمعي. وستعمل مخلصةً في تبسيط فقهه ومُنجزاته التي شهدتها الحضارة الاسلامية، وأخذ بها الغربيون في بعض المعاملات المالية، اضافةً الى تقديم تصورات معاصرة تستند إلى حقائق علمية حول إمكانية الوقف في المجتمعات المعاصرة، والافادة من الوسائط الصحافية والاعلامية في تأصيل نزعة العمل الطوعي الخيري في السلوك الفردي والجماعي في المجتمعات الانسانية. وستعمل الشركة الوقفية الوطنية ايضاً على تقوية جسور التواصل بين فكر الوقف ومشاريع العمل الطوعي الخيري عبر المنظومات الأهلية، في إطار توجه تكاملي تكافلي لبناء مجتمع متوازن ومتراحم بين شرائحه المختلفة.