محمد المعتصم حاكم : أرتريا التصدي والتنمية (3)
كان برنامج الوفد الشعبي السوداني لدولة أرتريا الشقيقة حافلاً اشتمل على العديد من الأنشطة والزيارات الميدانية للعديد من المعالم المهمة والمعارض، كان أهمها (مقبرة الشهداء) وذلك المجسم الصخري الذي حوى أسماء شهداء الثورة الأرترية الأوائل على خارطة شملت كل القرى والمدن التي قاتل فيها المناضلون من أجل التحرير، ولم يكن غريباً أن يكون من بين الشهداء عدد من السودانيين الذين قاتلوا جنباً إلى جنب مع أشقائهم الأرتريين، حيث كتبت اسماؤهم تسبقها كلمة (السودان) تقديراً لوفائهم والدفاع عن الأرض الأرترية بدمائهم التي امتزجت بدماء أشقائهم في أرتريا حتى تحقق الاستقلال لتصبح تلك القبور المزدانة بالورود والرياحين تجسيداً واقعياً لتلك العلاقات الأزلية المميزة التي ظلت وما زالت تجمع ما بين الشعبين الشقيقين في لوحة رائعة مطرزة بالمصير الواحد والمستقبل الواعد عبر ذلك التمازج الإثني والقبلي والثقافي الذي جعل القبيلة الواحدة نصفها في أرتريا والنصف الآخر في شرق السودان عبر نظارة واحدة يدين بالولاء لها الجميع، كما لفت نظري ذلك المعرض الذي يحكي عن نشاط الجالية الأرترية في أفريقيا والدول العربية وأمريكا وأستراليا وأوربا، حيث تلعب الجاليات هناك دوراً رائداً وإيجابياً في دعم دولتهم أرتريا الأم في كافة المجالات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وتوطيد العلاقات الإنسانية مع كل دول المهجر بما يساعد بلدهم في النهوض نحو الأمام لبناء أرتريا الحديثة التي يسعى قادتها نحو التنمية المستدامة وإعادة إعمار ما دمرته تلك الحروب الطويلة، وكان السودان حاضراً في ذلك المعرض، حيث برزت كل نشاطات الجالية الأرترية بقيادة السفير الشقيق إبراهيم إدريس في خلق صلات عبر نشاطات ثقافية مشتركة مع كل شرائح الشعب السوداني بصورة مستمرة تأكيداً على التلاحم والتمازج والتواصل الطبيعي والارتباط الأزلي الذي يجمع الشعبين الشقيقين، كما أن احتفالات أرتريا باليوبيل الفضي للاستقلال لم تكن في العاصمة (أسمرا) وحدها، بل كان هناك احتفال في كل مدينة وقرية في الدولة الأرترية تحت شعار (الصمود والتنمية) كما كان هناك يوم للاحتفال في الأحياء حيث زرنا عدداً منها في مدينة (أسمرا) واستقبلونا أهل الحي بالورود والأغاني السودانية التي يعشقونها، بل تجاوز الكرم الأرتري الأصيل وجبة الغداء الشعبية إلى وداعنا بالأغاني والأناشيد الوطنية الشجية، وكان الأروع معرض سنوات الكفاح المسلح والتطور الذي شهدته الدولة الفتية حتى أصبحت في سنوات قليلة كاملة البنيات التحتية من كهرباء ومياه نقية ومدارس ومصانع وجامعات ونظافة في الشوارع لا تقل عن أي دولة أوربية، وكانت لنا لقاءات في الإذاعة والتلفزيون عبَّر فيها كل أعضاء الوفد الشعبي السوداني عن امتنانهم وحبهم لأشقائهم في أرتريا.