رسائل إلى زينب 16
اندلعت فجأة مظاهرات احتجاجية في الشوارع الخلفية لحواري أم درمان، الوقت كان بعد الثامنة مساء، خرج شبان وأطفال وبعض النسوة إلى الشوارع شبه الرئيسية وأشعلوا النيران في الإطارات وأغلقوا الطرق وهم يهتفون مطالبين بالخبز والماء والكهرباء. أوقفت الركشة قريبا من منزل أحد الأصدقاء في الحارة الثانية، تركتها هناك وعدت راجلا إلى الموردة.
ولجت إلى البيت وقد هدني التعب تماما. بعد استراحة قصيرة أعددت كوبا من القهوة، رغم إحساسي بالإرهاق لكن لا رغبة لي في النوم المبكر، لن أشغل التلفزيون، فلا رغبة لي أيضا لا في مشاهدة الأخبار وقنوات الأفلام. إذن حلي الوحيد هو اللجوء إلى أوراق العاشق، أقلبها وأقرأ شيئا من الهوس:
“كان علي أن أداوي جراح روحي وقلبي يا زينب بعد أوبتي من أدغال المعارك والحروب والدماء المسفوكة على رؤوس التلال والجبال. شيء ما انكسر بداخلي بعد كل المشاهد الوحشية التي صادفتها في رحلتي التي أسميتها وهما (مغامرة)، كم كنت سخيفا ومثاليا وأنا أظن أن الحرب نزهة لمعالجة أوجاع القلب. ما أصابني هناك أحرقني تماما يا زينب، ولا شفاء لي إلا بوردك وعطرك ومطرك يا سمائي النائية.
ذهبت إلى الشركة بعد عودتي وجمعت مستحقاتي لستة أشهر خلت. حزمت أمري على الرحيل مرة أخرى إلى بلاد بعيدة قد أجد في هوائها مهدئا لأوجاعي وآلامي. سافرت إلى أوربا، طفت دولها دولة دولة. تسكعت في شوارع ليون الفرنسية برفقة فتاة كاميرونية اسمها ايرين بيدي. التقيتها مصادفة وهي تلتقط صور السيلفي ومن ورائها سيدة الجمهورية الفرنسية تبرز مفاتنها في تمثالها العاري.. تتبعتها، شيء ما في مشيتها جرني إليها وشدني إلى خصرها المتمايل كأنه موجة موسيقية نافرة. تتبعتها نهارا بأكمله من شارع إلى شارع، ومن نصب إلى آخر ومن حانة إلى أخرى، وحين تعبت من مطاردتي لها, نادتني أمام مدخل بيت معلق في الجبال: تعال يا ابن دمي، ادخل وأدخلني. ما طعم الحياة بعيدا عن النساء يا زينب؟ من أنت وما النساء إن لم تكوني كل تلك الانحناءات والتضاريس الاستوائية التي تكسو جسد امرأة كاميرونية تبكي من اللذة وتنادي الله بلغة غريبة في غرفة فرنسية غائرة في التاريخ بأعلى جبل عند مدينة ليون؟”
توقعت امرأة جديدة في سكة هذا الرجل زينبه – كما قال – يبدو أنها مقسمة على كل نساء الأرض.. أما أنا فعلي أن أنام ولو قليلا ليرتاح هذا الجسد!