محجوب عروة : 25 مايو من لينين الى آمين
يصادف اليوم مرور 47 عاماً على إنقلاب 25 مايو بقيادة العقيد جعفر نميري وذلك ما يقارب نصف قرن، الأمر الذي يمكننا من تقييمها بموضوعية رغم رفض الشعب لها وسقوطها عام 1985، بثورة شعبية عارمة، انحازت إليها القوات المسلحة الباسلة ولولا ذلك لما استطاعت الانتفاضة السياسية وحدها أن تطيح بالنميري.. وهذا عين ما حدث حين انحياز معظم ضباط الجيش المغاوير، لثوار أكتوبر 1964 فكان ذلك عاملاً حاسماً لنجاحها، الأمر الذي يكشف أن الدور الايجابي للقوات المسلحة في السياسة السودانية أمراً لا يمكن تجاوزه، لا سابقاً ولا حاضراً ولا مستقبلاً.. ولكن دعوني، قبل أن أقوم بتقييم هذه التجربة السياسية، أن أذكر إنها بدأت شيوعية حمراء ترفع شعار، (سايرين سايرين في طريق لينين) بتحالف مع القومية العربية وشعار (حرية، وحدة اشتراكية)، و(ناصر نميري قذافي) وانتهت إلى نوع من الهوس الديني كادت أن تجعل من رئيسها، كما ذكر المرحوم د. حسن الترابي في لقائه الأخير، في الجزيرة العربية، أن يحاول النميري أن يعدل الدستور ليكون خليفة للمسلمين تبرر له تعين من يخلفه ظناً خاطئا” بأن ذلك من شرع الله وليس ذلك عجباً فقد أحاطت به مجموعة من ترزية القوانين وأصحاب الهوس الديني الصوفي أقنعته بأنه أمير المؤمنين وحامي الشريعة الأوحد، بعد أن أعلن بعض قوانينها ممثلة في، الخمر ومعاقبة المرتكبين لبعض الإنحرافات الشخصية ظناً خاطئا” بأنه يطبق الشريعة الصحيحة ولكنه في الواقع نحا نحو التحكم السياسي وحكم الفرد باسم الشريعة وهي براء من ذلك فالشريعة هي العدل والحرية والشورى والاحسان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأمانة والكفاءة.
نعم هكذا كانت مايو بدأت بالهوس الشيوعي والاشتراكي والقومي العربي إلى نوع من الهوس الديني، ولذلك لم تفلح في نقل السودان من وهدة التخلف والفقر وضيق المعيشة والبطالة والتدهور الاقتصادي والضعف السياسي، فقد كانت بعيدة عن الحكم الرشيد والممارسة الديمقراطية وانتهت الى حكم الفرد (الرئيس القائد) الذي هو الزعيم والمفكر الأوحد والعملاق وما حوله أقزام وأصفار، ترفع صوره وحده، ومن يعارضه وينصحه من أجل الوطن والمصلحة العامة فهو الخائن والعميل مصيره الاعتقال والفصل والتهميش.. ومن ينافقه ويصفق ويهتف له فهو الوطني والثوري المخلص ولو كان منافقاً وسارقاً أو فاشلاً.. ورغم ذلك فلمايو ايجابياتها لا تُنكر، مثل ذلك مثل بعض المشروعات الاقتصادية الهامة مثل طريق بورتسودان وكنانة والرهد وبداية اكتشاف البترول وغير ذلك والمطلوب ليس أن ندين مايو وحدها فمن كان بلا خطيئة من الحزاب فليرمها بحجر، المطلوب أن نستفيد من تجربتها فمنسوبيها هم سودانيون قد يكونوا مخلصين حاولوا جهدهم ولكنهم أخطأوا كما أخطأ غيرهم..
فلنتعظ من تجربة مايو وتجربة نميري الذي لو التزم بالحوار الذي اطلقه في خريف نظامه والتزم الاصلاح السياسي والحكم الرشيد ودولة المؤسسات ولم يحتكر تنظيمه الاتحاد الاشتراكي السلطة وجعله يتنافس مع غيره وأصبح النميري رئيساً قومياً لكل السودانيين وليس لمنسوبي تنظيمه لتطور نظام مايو وربما لم يحتاج الشعب لاسقاطها وربما حدث الاستقرار والسلام والتنمية والازدهار وأصبح السودان فعلاً لا قولاً سلة غذاء العالم وليس سلة مبادراته..