«كاميرات المدارس» ضبط السلوك لا يعني انتهاك الخصوصية!
يواجه وجود “كاميرات” المراقبة داخل المدارس على اختلاف مراحلها العديد من الانتقادات بين مؤيد لها باعتبارها وسيلة لضبط الأمور داخل المدارس والسيطرة على الأوضاع ومنع التجاوزات ورصد أي سلوك عدواني أو تسيب إداري أو حالات فوضى قد تحدث داخل المدارس مما يُعطي فرصة لضبط الحالات والمساءلة والمحاسبة والنصح والتوجيه والإرشاد، وبين فريق آخر معارض لوجودها باعتبار أن المدرسة بذلك تتجاهل دورها الرئيسي في التربية وتنمية مفاهيم الرقابة الذاتية والثقة الفردية واحترام الذات والمجتمع وإحساس الطالب بالحرية والحب والاحتواء وعدم المراقبة لكي يتعلم في جو مدرسي آمن وحر يتصف بالسكينة والاستقلالية والهدوء وليس الرقابة التي تزرع في الطلاب قيماً سلبية أهمها الخوف من تصرفات تبدو طبيعية في سن الطفولة أو المراهقة مما يشوه صورة المدرسة ويجعلها عاجزة عن القدرة على ضبط واحتواء التلاميذ وتوجيههم وإرشادهم واستيعابهم مما يُعطي انطباعاً بوجود فجوة وانعدام الثقة المتبادلة والخوف من انتشار لقطات للطلاب في مختلف المراحل الدراسية وتسربها بعد وقت قصير في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي خاصة وأن تلك اللقطات والصور الحية لن تكون لقطات عادية وبالتالي قد لا تتناسب مع الوسط التربوي والتعليمي.
ضبط الفصول
” الرياض ” قامت بجولة على بعض المدارس التي قامت بتركيب تلك الكاميرات، حيث قال قائد إحدى المدارس: إن وجود الكاميرات في المدرسة يمنع التجاوزات والتسيب الإداري الذي يحدث في بعض المدارس ورصد أي سلوك عدواني لبعض الطلاب.
وأضاف بأنه ينوي تركيبها داخل الفصول لمراقبة أداء المعلمين خصوصاً وأن البعض منهم همه الأول والأخير الانتهاء من تدريس المواد دون مراعاة التحصيل العلمي للطلاب، ومنهم من لا يستطيع ضبط الطلاب داخل الفصل مما يؤدي إلى حدوث الفوضى داخل الفصول رغم وجود المعلمين فيها، وأشار إلى أن عملية ضبط الفصول تواجه تحديات كثيرة داخل الفصول بسبب تصرفات بعض الطلاب التي تؤثر بشكل سلبي على قدرة المعلم على الشرح وتوصيل المعلومة مما يؤدي إلى عدم استفادة بقية الصف، وذكر بأن ذلك ليس ترصداً أو تجسساً أو تصيداً للأخطاء وإنما هو لضبط حالات الفوضى والمراقبة والسيطرة على التسيب الإداري والتمكن من التعامل معها بشكل أفضل ولإخلاء المسؤولية لكي يكون هناك إثبات بصوت وصورة في حال الإنكار مما يتيح ضبط حالات الفوضى التي قد تحدث أثناء اليوم الدراسي.
انتهاك الخصوصية
عدد من أولياء أمور الطلاب أعربوا عن استيائهم وأفادوا بأن وجودها في المدارس – من وجهة نظرهم – بعيد كل البعد عن النهج التربوي، فهي تُعد انتهاكاً لخصوصية الطالب ونوعاً من السيطرة الفكرية عليه، وأكدوا أن لجوء بعض المدارس إلى الكاميرات ناتج عن عجزها في ضبط سلوكيات الطلاب داخل المدرسة وبسبب تهميش دور المعنيين فيها في مجال التوجيه والإرشاد الطلابي، وهذا لا يتفق مع سياسة التعليم، وفيها عدم مراعاة للأولويات المدرجة ضمن أهداف الإدارة المستقبلية لأجل الرفع بالمستوى العام للتعليم، وأكدوا أن وجود تلك “الكاميرات” يؤدي إلى فقدان الثقة وعدم الاطمئنان فضلاً عن أنه لا يوجد أي سند قانوني لتركيب تلك الكاميرات داخل المدرسة، وأشاروا إلى أن المراقبة بالكاميرات خطر لأنها قد يُساء استخدامها لدى البعض، فالتقنية سلاح ذو حدين وفي ظل هذه الثورة الرقمية التي نعيشها لن نستطيع أن نمنع اختراق أو إساءة استخدام تلك التقنية، ويجب إدراك أن من وظائف المدرسة خلق جيل سليم من الطلاب ويكون ذلك الجيل واثقاً من نفسه ومن قدراته وإمكانياته ويكون متزناً وقادراً على ضبط ذاته داخلياً، وأن يتم غرس الثقة والانضباط لديهم من خلال التواصل الجيد والتعامل الصادق وغرس الاحترام المتبادل والثقة وتفعيل دور المرشدين الطلابيين في المدارس من حيث قيامهم بدورهم في عملية إرشاد الطلبة وتوجيههم وغرس الثقة الصحيحة في نفوسهم وتجنب ترك أو إهمال علاج السلوك الخاطئ أياً كان نوعه، وأشاروا إلى أنها تعمل على تعديل سلوك الطلاب بشكل وقتي فقط وذلك يُؤسس للشخصية “المراوغة” والتي تكون ذات وجهين في حين أن من المؤمل أن يتم تصويب وتعديل وتصحيح سلوك الطلاب عن قناعة وامتثال وليس عن اصطناع أو افتعال أو تكلف.
السند القانوني
أحد المعلمين بدا متذمراً من تركيب كاميرات المراقبة في المدرسة، وذكر أن إدارة المدارس تستعين بالكاميرات الخاصة بالمراقبة والحفظ والتسجيل لأنها إدارة ضعيفة وغير قادرة على ضبط الطلاب، وتساءل: كم مرة سيشاهد فيها الطلاب والمعلمون مدير المدرسة عند تركيب تلك الكاميرات؟ وكم هو الوقت الذي يقضيه المدير محدقاً في تلك الشاشات؟ اذ أن وجود الكاميرات داخل المدرسة يؤدي إلى فقدان الثقة بين المعلم والطالب من جهة وإدارة المدرسة من جهة أخرى فضلاً عن أنه لا يوجد أي سند قانوني لتركيب الكاميرات الخاصة بالمراقبة داخل المدارس، وهي لا تتفق مع الأنظمة واللوائح التي تُحدد ضوابط متابعة المدير للموظفين في مجال العمل.
وأضاف أن العلاقة بين المعلم والطالب من جهة وإدارة المدرسة من جهة أخرى يجب أن تكون في وضعها الطبيعي وعندما يتم تسليط الكاميرات على الطلاب والمعلمين فلن يتصرفوا على طبيعتهم وسجيتهم بل سيشعرون أنهم تحت المراقبة وبالتالي ستكون درجة الاتصال مقيدة ومحكومة برسميات لا تحقق الأهداف التربوية في حين أن المفترض هو دعم المرونة وإحساس الطالب والمعلم بالحرية والثقة المتبادلة بينه وبين إدارة المدرسة، موضحا ان الرقابة الذاتية نعمة وهبة من الله وهي تنبع من التقوى ولكن من لا يتحمل في نفسه الرقابة الذاتية فلن تزيدهم تلك الكاميرات الرقابية والتسجيلات إلا سلاطة في اللسان على مدرائهم ومن يقومون بمراقبتهم والتعليق عليهم والتهكم بهم من الهيئة الإدارية في المدرسة.
مؤكداً أن أي مخالفة للتعليمات تعرض مدير المدرسة للمساءلة
قانوني: كاميرات المدارس وسيلة وقائية لتعزيز الأهداف التربوية وليست للتجسس
أكد طارق الخميس – محام ومستشار قانوني – أن وضع الكاميرات لم يصدر بها نظام يسمح بتواجدها ولكن صدرت تعليمات وموافقة وزارة التعليم بالسماح بها حيث إنها وضعت من أجل مراقبة السلوك الطلابي والمدرسين والعاملين بالمدارس فقط لا غير وليس من أجل التجسس أو المراقبة كما أن الصورة في تلك الكاميرات وضعت للمراقبة مباشرة وغير قابلة للحفظ وفقاً لتعليمات الوزارة وأي مخالفة لذلك يُعرض مدير المدرسة تحت طائلة المساءلة النظامية.
وأضاف أن نظام مكافحة جرائم المعلومات الصادر بالمرسوم الملكي رقم م /17وتاريخ 8/3/1428هـ المبني على قرار مجلس الوزراء رقم 79وتاريخ 7/3/1428هـ عرف الجريمة المعلوماتية بأنها: (أي فعل يُرتكب متضمناً استخدام الحاسب الآلي أو الشبكة المعلوماتية بالمخالفة لأحكام هذا النظام ) ونصت المادة 8/1من نظام الجرائم المعلوماتية على أن (الجريمة المعلوماتية: أي فعل يُرتكب متضمناً استخدام الحاسب الآلي أو الشبكة المعلوماتية بالمخالفة لأحكام هذا النظام”، ونصت المادة 3 في فقرتها 5/4من نظام الجرائم المعلوماتية على أن ” يُعاقب بالسجن مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تزيد على خمس مئة ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كل شخص يرتكب أياً من الجرائم المعلوماتية الآتية: المساس بالحياة الخاصة عن طريق إساءة استخدام الهواتف النقالة المزودة بالكاميرا، أو ما في حكمها، التشهير بالآخرين، وإلحاق الضرر بهم عبر وسائل تقنيات المعلومات المختلفة “، وعليه فإن نظام المراقبة بالكاميرات لا يستهدف إلا تحقيق الأهداف التربوية والتعليمية ومصالح الأبناء الطلاب وحمايتهم من أنفسهم ومن أخطائهم وتجاوزاتهم، والحد من أي انحرافات سلوكية إن وجدت، فالهدف الرئيسي للعمل بالكاميرات المدرسية أو الاعتماد عليها في مراقبة الطلاب ليس تقييد حرية الطالب أو التدخل في خصوصياته، وإنما هي وسيلة احترازية ووقائية تُسهم إلى حد كبير في الحد من معظم المشاكل التي قد تحدث، فاتساع بعض المدارس وكثرة عدد الطلاب وتنوع وتعدد الثقافات التي ينتمي إليها الطلاب، من شأنه أن يوجد بين حين وآخر بعض المشاكل السلوكية المتوقعة، وبالتالي تصبح مسألة التدخل المهني من قبل الإدارة أو الاختصاصي الاجتماعي أمراً مهماً وعاجلاً للحد من تفاقم أي مشكلة فلكل مرحلة مشاكلها الخاصة المرتبطة بالعمر، أخيرا فإن وجود نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية المشار إليه أعلاه يلزم أن يصاحبه وجود نظام يحدد استخدام تلك الكاميرات والضوابط والاشتراطات ويحدد العقوبات والجزاءات ضد المخالفين الذين يتعرضون للحياة الخاصة عن طريق الاستخدام السيئ للكاميرات مما يجعل الأمر مثارا للنزاع والنقاش.
علموهم الرقابة الذاتية بعيداً عن رقابة الكاميرات..!
تساءل د. عبدالله الحريري – مختص وممارس علم نفس إكلينيكي وخبير العلاج السلوكي والمعرفي – عن الهدف من وجود الكاميرات في المدارس، وهل هي موجودة في الدول الأخرى المتقدمة؟ وإذا كان الهدف من الكاميرات هو الحفاظ على الجوانب الأمنية للمدرسة، فتوضع في الساحات الخارجية والأسوار وعند الأبواب وهذا مهم جداً من أجل الحفاظ على الممتلكات أما وجود الكاميرات داخل المدرسة فليست من ضمن العملية التربوية وليست من أدوات وسائل العملية التربوية، فوسائل العملية التربوية تقوم على خلق نوع من المعرفة ورفع المستوى المعرفي والسلوكي عند الطلاب والابتعاد عن وسائل الرقابة والتجسس لأن هذه سلوكيات ليست سلوكيات قويمة وليس من حق أي إنسان أن يتجسس على إنسان في مكتبه أو في عمله أو حتى في الفصل، فهذه تخالف المبادئ والأخلاقيات وحقوق الإنسان، فالطالب له حقوق مثله مثل الآخر ليس من حق أحد أن يتجسس عليه، والنظام الأساسي للحكم أشار لهذه العملية بأنه لا يجوز التجسس على البشر مهما كان، ولا يجوز تفتيش محتوياتهم سواء المحتويات المحمولة أو الإلكترونية إلا بأمر قضائي، فما دمنا في مؤسسة تعليمية فيجب أن تُعلم الناس على الرقابة الذاتية وتدربهم عليها لأن المدرسة هي وسيلة لنقل المعرفة والسلوك خارج نطاق المدرسة، فتعلمه كيف يحافظ على سلوكه داخل المدرسة وكيف يتعلم وأنه هو صاحب المصلحة الأولى، والجانب الآخر يجب ألا تكون المدرسة عبارة عن مؤسسة طاردة للطلاب، فكلما أكثرنا من وسائل التجسس والرقابة بشكل مبالغ فيه تكون المدرسة كأنها أقرب إلى السجن وليست وسيلة محببة فتخلق نوعاً من ردة الفعل غير المطلوبة عند الأفراد، ويجب أن نركز في الدرجة الأولى إلى جانب المواد التعليمية على تعليم الأطفال والشباب من الجنسين على المهارات الاجتماعية ومهارات توكيد الذات وكيف يُعبر عن نفسه ويتعامل مع الآخرين وكيف يحترم حقوق الناس وكيف يحترم نفسه وأيضاً ألا يكون شخصية سلبية وألا يكون شخصية عدوانية وبالتالي تستطيع المدرسة أن تقوم بدورها كونها الوسيلة الأكثر تأثيراً بعد الأسرة في المجتمع.
جريدة الرياض