وزير المالية والصحافيون .. من يتفشى اخيرا يتفشى كثيرا
وزير المالية والصحافيون.. من يتفشى أخيراً يتفشى كثيراً
المثل المعروف يقول (من يضحك أخيراً يضحك كثيراً)، بيد أن ما أنا بصدده اليوم استلزم استبدال الضحك بالتشفي، ليس (فنكهة) مني وإنما لأقول لوزير المالية ذاك هو تشفيك قد رُدَّ إليك، فقد كان السيد وزير المالية قد أبدى قدراً كبيراً من السعادة والزهو بموازنته الجديدة عندما استعرضها أمام الصحافيين على مدى ثلاث ساعات في مؤتمره الصحفي الذي عقده بخصوصها، ومن فرط سعادته ومباهاته بها، قال لمن أدار المؤتمر الصحفي حين طالبه بالاختصار (خليني أتفشى في الصحفيين ديل) أو كما قال. وعلى عكس بشريات الوزير وأمانيه كان الكثيرون من الاقتصاديين لا يرون ما يرى، بل وأشاروا بوضوح إلى أن التفاؤل الذي أبداه الوزير لا أساس له، وأن الافتراضات التي بنى عليها أرقامه غير حقيقية وعصية على التنفيذ، بل ذهبوا إلى حد التنبؤ بالعجز الكبير الذي سيضربها، كما توقعوا استمرار تدهور قيمة العملة الوطنية وتزايد حدة الغلاء واتساع دائرة الفقر، وهاهو كل ما أشاروا إليه ونبهوا له وحذروا منه، يحدث وقع الحافر على الحافر في واقع حياة الناس والموازنة لم تبلغ نصف عمرها بعد، وقد حق للصحافيين الآن وخاصة ذوي الصلة والتخصص بالشؤون الاقتصادية والمالية أن يردوا تشفي الوزير إليه، وهذا ما يبرع فيه بالفعل بعضهم اليوم، نخص بالذكر منهم الزميل سليط القلم ولا نقول اللسان عادل الباز..
أما محمد أحمد الأغبش ورجل الشارع العادي وربات المنازل، فلا شأن لهم بما يدور من سجال، فهؤلاء الغبش (الواقفين صفوف) لا يعرفون في الاقتصاد والموازنات غير قفة الملاح، عندما تمتلئ قفتهم عافية يكون الاقتصاد عندهم معافى والموازنة موازنة خير وعافية، والعكس صحيح، فهم لا ناقة لهم ولا جمل في أحاديث الساسة والاقتصاديين ومؤتمراتهم وكلامهم (الكبار كبار) ولا يأبهون له، كما يعرفون ويأبهون للميزان أبو كفتين عند أصحاب التشاشات والرواكيب والدكاكين والكناتين والبقالات والكيلة والملوة والمد عند باعة البصل والفحم وما شاكلهما، والرُبطة والكوم عند الخضرجية، وغير ذلك من مقاييس ومكاييل تشكل مدار حياتهم اليومية، ولا تثريب عليهم، فليس شغلهم أن يشتغلوا على نظريات الاقتصاد وبدائله، فهذه يكفيهم منها أنهم ربّوا وعلّموا وبذلوا وما استبقوا شيئاً ليخرّجوا هؤلاء السياسيين والاقتصاديين المطلوب منهم أن يعكسوا أثر هذا العلم على حياة أهلهم بياناً بالعمل، تؤكده قفة الملاح وليس بالأحاديث الشفهية والأرقام الجامدة التي إن لم تلامس قفة الملاح، سيبقى عندهم قائلها مجرد (حلو لسان وقليل إحسان)، فنظرة للقفة عندهم تقطع قول كل خطيب وموازنة.