الإسلام السياسي.. كيف ولماذا
* لا جدل يعلو هذه الأيام على جدل تداعيات خطاب راشد الغنوشي، زعيم حزب النهضة التونسي، الذي جاء فيه: “نخرج اليوم من الإسلام السياسي لندخل في الديمقراطية المُسْلمة.. نحن مسلمون ديمقراطيون، ولا نعرّف أنفسنا بأننا الإسلام السياسي”.. مؤكداً أن النهضة “حزب سياسي، ديمقراطي، ومدني له مرجعية قيم حضارية مسلمة وحداثية”، مضيفاً: “أنا مسلم تونسي.. تونس هي وطني، وأنا مؤمن بأن الوطنية مهمة وأساسية ومفصلية، فلن أسمح لأي كان أن يجردني من تونسيتي لن أقبل أي عدوان على تونس حتى ولو كان من أصحاب الرسالة الواحدة، أنا الآن أعلن أمامكم أن تونسيتي هي الأعلى والأهم لا أريد لتونس أن تكون ليبيا المجاورة ولا العراق البعيد أريد لتونس أن تحمي أبناءها بكل أطيافهم و.. و.. و..”.
* فكان خطاب الغنوشي بطبيعة الحال.. والحديث لمؤسسة الملاذات.. فرصة ﻻ تعوض للذين أوقفوا أقلامهم وحياتهم لمناهضة ما يسمونه هم (بالإسلام السياسي)!! وذلك على طريقة (شهد شاهد من أهله)!! بحيث سكبت أحبار غزيرة.. على أن أحد أشهر الإسلاميين يصعد على تلة.. الآن حصحص الحق.. ويعترف بأنه من راود السلطة بالدين فاستعصمت واستعصت !! إلى آخر تلك التأويلات !! ومقالات الويل والثبور والنفور والكفور!! وبطبيعة الحال إن الحملة قد وصلت بلاد النيل والشمس والصحراء.. سيما بحسب البعض.. إن الأمة السودانية هي الأخرى تعيش تحت وطأة الإسلام السياسي !!
* ما هي حقيقة هذا الأمر؟! أنا هنا لست معنياً بإعطاء تبريرات أو توضيحات لما خرج به السيد الغنوشي.. ولكن ثمة استدراكات تخص التجربة السودانية..
* ربما كانت الحركة الإسلامية السودانية أول حركة إسلامية تحتفل بالوطن.. وهي تعلن منذ الستينيات عمليات توطينها وعدم تبعيتها للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين!! ومن بعد ذلك أن كل تجاربها كانت وطنية خالصة.. وهي تشيد أفكارها ومشروعاتها من (المواد المحلية الفكرية).. اللهم إلا أن تكون مناصرة القضية الفلسطينية خروجاً عن الأوطان !!
* لم يسمِ الإسلاميون بمختلف مدارسهم الفكرية.. لم يسموا أنفسهم يوماً (بالإسلام السياسي)!! وهذه التسمية جاءت من قبل مناهضي دخول الإسلام في الشأن السياسي، ولاسيما الذين يحكمون شعوبهم بالوراثة ويرثون الشعب والدولة والأموال كما يرثون عقاراتهم ومتاجرهم !!
* فكرة الإسلاميين في الحياة بسيطة ومقنعة وإن اختلف الناس حول أدواتها.. وتتلخص في قيمة.. إن حياتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين.. بمعنى: من حيث خرجت فثم وجه الله.. اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً ومجتمعياً.. فبدلاً من أن يضيق الناس واسعاً فيتعبدون ويتقربون لله فقط بالصلاة والصيام.. فهناك متسع بأن تكون كل مناحي الحياة ساحة ومسجداً للعبادة والتقرب إلى الله سبحانه وتعالى، فمثلاً: إذا خلصت مصارفك ومعاملاتك المالية من الربا.. فأنت حينئذٍ تتعبد بمعاملتك المالية الخالصة لله تعالى.. وعلى ذلك قس..
* ثم انظر – يارعاك الله – في قوائم الذين يناهضون الإسلاميين.. ستجدهم لا محالة من الماركسيين والليبراليين والعلمانيين الذين يرفضون أي تجربة إسلامية ولو أتت مبرأة من كل عيب !!
* أنا شخصياً سأحترم كل من يحمل مشروعاً إسلامياً بديلاً محكما أكثر تسديداً وتصويبا !!
* هنالك أخطاء في التطبيق!! اللهم نعم.. هل العلاج يكون بترسيخ مفهوم الإسلام ليس هو الحل وﻻ يواكب قضايا العصر!! فيفترض والفشل هذا أن نأتي بتجارب الآخرين من الشرقيين والغربيين !! أو فرية… “يجب أن لا نشوه الإسلام، فنجعله في فترينات زجاجية بعيداً عن متناول يد الجميع” !!
* الرأي عندي أن (دولة خير الخطائين) التي تصيب يوماً وتصوب يوما آخر.. هي خير، بحيث لا يعالج أمر استحضار الدين في الحياة إلا بمزيد من الدين وليس بهجره… والله ولي التوفيق.