د. ناهد قرناص : رمضان .. زي أيام زمان
عربة الخضار تسد الطريق ..تقف حولها النسوة ..والمجادلات على أشدها ..عم خضر ..او (خدر) الخضرجي كما ننطقها ..(لاول مرة انتبه لتطابق اسمه مع المهنة) ..اصبح من معالم الشارع ..يعرف جاراتي بالاسماء بل تجده يسأل عن امتحانات الاولاد ..وعن المسافر متى يعود ..ولكنه حتى الان لم يستطع ان ينال رضا (مادلين) الفلبينية التي تعمل كطباخة في منزل المستشار …لا تزال هي ترمقه بعين الشك ..وتطالبه بوزن الطماطم أكثر من مرة ..اليوم كان الجدال في الثمن وليس الوزن ..مادلين لا تستطيع استيعاب ان يتضاعف سعر (الخيار ) ثلاث اضعاف.. كدا مرة واحدة..كانت تصرخ بالانجليزية (هاو ..كم ؟؟؟) ..ويرد عليها عم خدر (كم شنو …ما قلت ليك سعري ) ..قلت له (ما قاصدة بي كم ..قاصدة كيف يكون كدا ..انت يا عم خدر ما تنسى انو الزولة دي بتتكلم انجليزي) ..عم خدر (السنين دي كلها ما عرفت العربي مالها ؟؟؟ قلت لها سعر الخيار زاد ..عشان رمضان ..اها اسوي شنو ..من مكانه بقيت بشتري بالغالي ..طلاق تلاتة انا ربحي فيهو اتنين جنيه)…قلت لمادلين (عادة المواد التموينية تزيد قبل شهر رمضان ..وعادة نحن نتوقع تلك الزيادة )..قالت (كل مرة الزيادة تكون طفيفة ..لكن تتضاعف الاسعار هكذا ..كثير هذا ..) ..ثم وضعت كل ما انتقته من الخضار ..وقالت لي بأنها ستشاور صاحبة المنزل في الشراء بهذا الثمن…طوال هذا الوقت كان عم خدر ينقل بصره بيني وبينها ..وعندما وجدها تترك الخضار وتدخل ..سألني (قلتليها شنو ..؟ مالها خلت اي حاجة ومشت ) ..قلت له ( قالت بتشاور ست البيت وتجيك )..عم خدر (ست البيت دي سودانية ؟ متلي ومتلك؟) ..ضحكت وقلت له (سودانية ..بس ما متلي ومتلك ..عشان كدا مادلين حتجي شايلة ليك القروش الزيادة وحتشتري منك الخيار والطماطم بالسعر الجديد) ..تركته وهو يتنهد بارتياح ..وتحركت انا ضاربه اخماس في اسداس ..اذ يبدو ان طبق (سلطة الروب بالعجور أو الخيار) سيكون هو طبق (التحلية) هذا العام ..كل العالم ..شتى الاديان والافكار والثقافات ..تنتهز فرصة رمضان لاجراء التخفيضات في المواد الغذائية والعروض …الا نحن ..لابد من ان ننفرد بالغلاء ..والغلاء الفاحش ..قبل يومين سألت صاحب محل الجملة عن سعر شوال السكر ..قال لي وهو يتكيء على مجموعة كبيرة منها (470 جنيه) ..قالها على عجل فقد كان يسارع لرفع شوالين الى عربة مظللة …ثمة من ينتظر رمضان ليملأ خزائنه غير عابئ بأي شئ ..تجده يقول (انا ومن بعدي الطوفان )…المفارقة انني قرأت وانا اتصفح الاسافير قبل أيام ان محال تجارية بمقاطعة في كندا ..عرضت كميات من المواد الغذائية التي يحتاجها المسلمون ..واجرت عليها تخفيضات ..وعلقت عبارة (رمضان كريم) ..فهززت رأسي وتمتمت قائلة (كندا نفر) .. ولكن دون الذهاب الى هناك قصص وفيز وحاجات تانية حامياني ..عني انا ..ساخترع في رمضان هذا اكلات (غير) ..من قال ان الافطار لابد له من (سلطة روب) ؟؟ من ادخل فقه (الشوربة ) ..و(السمبوسة) و (البسبوسة) ..وايه مش عارف ايه ؟؟.. تلك شعوب توفرت لها رفاهية التخفيضات والعروض ..اما نحن …ناس قريعتي راحت ..سنعود الى اكل الجدود ..قراصة وعصيدة وحلومر ..اصلا نحن بدينا نرجع للعصور الوسطى ..فوانيس ورتاين ..والموية بالكارو …هلموا الى انعاش الفلكلور …تحت شعار (رمضان ..زي ايام زمان ) ..من بعيد كان صوت مسجل ادم (هاهي الأرض تغطت بالتعب ..)