رأي ومقالات

الخطوط البحرية..الحكم والجلاد

عوضية سليمان أفصحت وزراة النقل عن تصفية الخطوط البحرية السودانية رسميا، وذكرت أن الخطوط البحرية “ماتت” وتعثرت ولا تملك أي باخرة والآن تجري عملية تصفيتها.. وأكد وزير النقل مكاوي عوض في حديثه لبرنامج “مؤتمر إذاعي” أمس الأول إقامة شراكة جديدة بين الحكومة والقطاع الخاص بشراء تسع باخرات من الصين.. نعم الخطوط البحرية من الشركات الخاسرة والفاشلة لسوء إدارتها وإهدارها لناقل وطني كان يتكون من (15) باخرة.. وفساد تشهده المستندات والمتابعات الدقيقة لهذا الملف. العاملون بالشركة أكدوا في حديثهم لـ”الانتباهة” أن ظلمهم وعدم أخذ حقوقهم ضمن الاسباب التي ادت الى الانهيار. مديونيات ضخمة نترك هذا الملف ونقف عند لجنة تصفية الشركة ونتساءل على أي أساس تتم التصفية وهي لا تملك غير الاسم والمباني وباخرة خردة تتكئ على رصيف البحر الاحمر تنتظر مصير رصيفاتها؟.. أما لجنة التصفية المختصة فهي مستمرة في عملها ولكنها صامتة وممتنعة عن أي تعليق.. ضيعوا قطاعا مهما وسياديا وجاءوا ليشهدوا مراسم تشييع الجثمان الى مثواه الاخير.. وضيعوا مستقبل جيل كامل يحلم بدراسة البحرية ووظيفة القبطان. وفتحت تصفية الشركة حسابات ومطالبات أخرى لم تكن في الحسبان بعد ظهور شركات تطالب بمديونيات ضخمة، ومطالب أخرى بإرجاع استحقاقات حرب الخليج.. ومديونيات من 1999م.. ولم تعلم لجنة التصفية بملف النقابة الذي استحوذ على ممتلكات الشركة في غفلة العاملين. وتجاوزات أخرى كثيرة ومذكرات عاجلة وآجلة قدمت للجنة.. لكن هنالك ثمة سؤال.. لماذا اختارت جهة الاختصاص التصفية بدلاً عن محاسبة ومراجعة المفسدين؟.. قرار التصفية قرار حكومي واجب تنفيذه.. لكن ما نخشاه مستقبل الشركة الملاحية التي تنوي الحكومة إنشاءها بدلا عن الخطوط البحرية.. وما مصير الـ(9) بواخر التي تم شراؤها من الصين..؟ غياب الكفاءات ربما كان في مخيلة لجنة التصفية أن الخطوط البحرية أمرها قد انتهى ولا يدرون أن الأمر قد بدأ في نظر العاملين والموظفين بالشركة.. الذين كشفوا الكثير والمثير عن الاسباب الرئيسية لتدهور وضياع الاسطول.. أحد النافذين في الشركة -رفض ذكر اسمه- كشف لـ”الإنتباهة” أن فصل العاملين برا وبحرا وإلغاء الوظائف في عام (1997) هو سبب مباشر في تدهور الشركة، لأنهم هاجروا الى دول الخليج والدول الاوروبية بعد أن خسرت الشركة في هذه الكوادر عشرة آلاف دولار للفرد الواحد لدراسة البحرية والتدريب بالخارج.. وأصبحوا متخصصين في العمل البحري، وبعد ذلك تم فصلهم وتحولوا الى شركات اخرى.. وكشف أن الدولة كانت تهتم باختيار مجلس الادارة من ذوي الخبرات العالية، وغالبا ما يتم تعيينهم من وزارة المالية وبنك السودان.. وأضاف: لكن الآن أصبح من يترأسون الشركة بلا قدرات وخبرات سابقة ولا حتى تخصص في المجال البحري.. وأضاف أن رئاسة الجمهورية تبرعت بخمسة ملايين دولار لم تصل للشركة وتوقفت الصيانة الدورية للبواخر في الأحواض لقلة المال. كل السفن بِيعت رئيس مجلس ادارة الخطوط البحرية السابق الشريف صديق الهندي قال في إفادته: (عندما توليت رئاسة مجلس ادارة الخطوط البحرية في عام (2005) وجدت كل سفنها بيعت في فترة التسعينات ولم يتبق منها إلا ثلاث سفن معطلة ومرهونة.. وقتها بدأنا في الإصلاح وخلال عامين من فك الرهن والسداد ومديونيات الشركة فكرنا في تجديد الاسطول الى (12) سفينة ولم نجد السيولة الكافية حتى لثلاث سفن.. وتابع: وبعد جهد ومحاولة حصلنا على قرض “مليار” و(200) مليون من بنوك عالمية لفترة سماح ثلاث سنوات بعد التشغيل، ليتم السداد في فترة (23 ) عاما.. ولكن حتى نحصل على هذا القرض كان مطلوبا من الدولة ضمانات بنكية باعتبارها مالكة (99%) من أسهم شركة الخطوط البحرية.. ورفضت حكومة دبي توقيع العقد لعدم الضمان البنكي).. ويواصل الهندي حديثه: (بعد أن يئسنا من معالجة الحكومة وظفنا الامكانيات في الشركة عبر الشحن والتفريغ والتخليص والتوكيلات البحرية وادارة السفن.. وبدأت الشركة تعاود العمل وحققت أرباحا عالية ساعدت في سداد الديون، وبعد ذلك عملنا شراكة مع الشركة الماليزية للنقل وتطورت وخلال عامين وأصبحت إمكانياتنا جيدة ولكنها انهارت بسبب سوء العلاقة مع الماليزيين لاسباب لا نعرفها.. وأردف: ظلت الشركة محافظة على وضعها إلى أن غادرت (2011) وبعدها انهارت الشركة مجددا بسبب تراكم الديون وتعنت الحكومة لرفضها للضمان البنكي لتجديد الاسطول بعد بيع الاسطول القديم).. وأضاف الشريف صديق الهندي: (عجزنا في إقناع القائمين على الامر وايضا فشلنا في الضمان بمشورتنا الخاصة.. والسبب في اعتقادي أن هنالك نية مبيتة لبيع الخطوط البحرية ولابد من توفير ذريعة بجعلها خاسرة).. وزاد الهندي: إن واحدا من أسباب التدهور ايضا هو الصمت تجاه التعيين لمدراء ليست لديهم خبرة وغير مختصين في البحرية.. وإن كل المدراء الذين تعاقبوا على الشركة لم تكن لديهم علاقة بها ولا بالخطوط البحرية، لذلك تضررت الشركة للغاية من هذا التسييس.. ومضى: كانت الشركة تمتلك كفاءات عالية تربوا في كنف البحرية سواء بحارة أو فنيين أو “قبطان”. ولكنها في الفترة الاخيرة كانت تهتم بفصل العاملين وبيع البواخر.. وعندما جئنا كان هنالك (700) موظف تم فصلهم ولم يستلموا حقوقهم، وأضاف: هنالك سؤال.. إذا الحكومة بصدد شراء تسع بواخر من الصين لماذا يريدون بيع الشركة بعد تأهيل أسطولها؟. إهدار أموال (لابد من جسم في الدولة يراقب العمل البحري في السودان).. كان هذا مدخل الخبير في مجال البحر أحمد مختار الذي أكد أن عمل البحر شبه عسكري، لذلك يكثر الخلاف في حجز العمال والمرشدين.. لأن الظروف المناخية تتطلب وجود خبرات على مستوى كبير من الانضباط لمواجهة المخاطر والظروف المفاجئة، فمثلاً نجد أن الشركة تحجز مكاناً في الميناء لشحن إحدى السفن وفجأة تهب الرياح وتقفل الميناء.. وتابع: في هذه الحالة لابد من وجود بحارين للدخول الى النهر.. لكن في كثير من الأحوال لا يوجد بحارة وهذا يسبب الخلافات.. ولابد للادارات أن تحدد وتختار بعناية من يسافر لمراقبة الرحلة حتى لا تحدث خسائر للشركة. وكمثال على سوء الإدارة في هذا المجال، أحكي لك نموذجاً عندما أصر رئيس النقابة على أن يترأس أحد أقربائه عمال إحدى السفن “وهو جديد في العمل” وليس لديه الخبرة الكافية. لكنني رفضت ذلك بشدة.. وأضاف الخبير أحمد مختار أن عدم وجود المساءلة عند غرق البواخر أو تعطلها داخل البحر أسهم في دمار البواخر وإجلاسها على الرصيف لمدة عامين لتباع بعدها عن طريق الخردة “قطعة قطعة”، وقال أحمد إن شراء البواخر المستعملة كلف الشركة كثيرا من الصيانة، وهنالك فائض عمالة بكثرة يأخذون رواتب ومستحقات. ما مصير هذا المبنى؟ ذهب مستوصف الخطوط البحرية ببورتسودان وتحولت ملكيته واسمه.. لكن ما مصير عمارة الشركة ببورتسودان التي تتكون من خمسة طوابق في مساحة قدرها 5375 متراً وتحتل أهم المواقع في قلب المنطقة التجارية بالمدينة؟.. بالمبنى جميع الاقسام والمكاتب وثلاث شقق فاخرة لسكن كبار الموظفين وشقة أخرى فاخرة لكبار الزوار وجناح كامل يتم تأجيره لأحد البنوك.. تم شراء هذا المبنى بمائة وخمسين الف جنيه، دفعت من موارد الشركة الخاصة. حسابات مصالح أخرى ومنافع مشتركة كانت تدور في بيع بواخر الشركة.. حيث تم شراء الباخرة “الجودي” في عام (2003) وتم بيعها في عام (2007) بـ(15.000) دولار والشخص الذي اشتراها هو نفس الشخص الذي اشترى الباخرة “النيل الأزرق” وأتى به المدير التنفيذي وتم عمل مناقصة وهمية واتضح بعد البيعة أن الشركات التي قدمت للشراء وهمية لا وجود لها.. وكان هنالك حافزا ضخما للمدير المكلف بلجنة البيع، وهذه مخالفة.. لانه يعتبر باع أصلا من أصول الشركة.. وهذه الافادة أخذناها من برقية بطرف الصحيفة. “الما عارف يعرف” المدير العام لشركة الخطوط البحرية الفريق أمن. محمود فضل الله قمش، قال إن الموظفين في الشركة موجودون ويباشرون عملهم إلى أن يتم شطب الشركة من السجل التجاري. وأكد أن مرتبات العاملين مستمرة وتدفع من الانشطة المتعددة التي تتبع للشركة مثل النقل البحري والشحن والتفريغ والوكالات البحرية.. وحول اشتراكه في التصفية، قال إن السلطات المختصة هي التي اختارت التصفية. وهناك مراجعات وقضايا ظهرت في التصفية.. وأوضح أن الشركة قادرة على دفع استحقاقات العاملين.. وحول الشركة الجديدة التي تأتي بعد الخطوط، قال إن الجهات المختصة كلفت وزارة النقل والمالية لاختيار الادارات.. وكشف أن تدهور الشركة من زمن بعيد، وأنه يتحدث بتقارير بعد التصفية “عشان الما عارف يعرف”.. وحول ممتلكات الشركة، أضاف بأن كل أصول الشركة سوف تخضع للتصفية.

الانتباهة