رجل المرور المظلوم
مالك محمد طه
نائب رئيس تحرير الرأي العام
عندما نتعامل مع الطرق أو الشوارع المسفلتة – يقال إن الطرق تسمى كذلك إذا كانت قومية، والشوارع إذا كانت داخل المدن – فإننا ننظر إلى ثنائية تقليدية، هي الطريق ورجل المرور.
دون أن ندخل جهات أخرى في هذه الثنائية الكاثوليكية.
فمن المتفق عليه أن هناك كثيراً من الأدوار التي من المفترض أن تقوم بها جهات أخرى، بحكم مسؤوليتها المشتركة مع شرطة المرور عن الطريق وسلامته.
هناك دور من المفترض أن تلعبه شركات التأمين في توفير سيارات إسعاف على امتداد الطرق القومية.
خاصة وأن وجود نقاط إسعاف في طرق المرور السريع من شأنه أن يقلل حالات الوفيات، وخطورة الإصابات.
بالاستفادة مما يسميه أطباء الطوارئ بالساعة الذهبية، أو الساعات الذهبية التي يمكن أن تمنع الوفاة أو تقلل خطر الإصابة إذا تلقى أثناءها المصاب الإسعافات اللازمة.
دور شركات التأمين
الدور الذي يمكن أن تلعبه شركات التأمين بتوفير سيارات إسعاف، لن يسهم فقط في تقليل الوفيات أو الإصابات، ولكن يسهم أيضاً في تقليل ما تدفعه هذه الشركات من أموال في شكل ديات للموتى أو في شكل مبالغ لصيانة البصات أو السيارات التي تتلف بسبب الحوادث، ويشتد الإلحاح في أن تنشط شركات التأمين في توفير الإسعافات إذا علمنا أن دية القتل الخطأ تضاعفت عشر مرات وبلغت أكثر من ثلاثمائة مليون جنيه، كما أن حوادث المرور السريع في الغالب تكون أطرافها أو أحد طرفيها، البصات السياحية وهي ذات كلفة عالية في الصيانة.”
رجل المرور – لسوء حظه – هو الجزء الظاهر للناس من الصورة إذا تعلق الأمر بحوادث الطريق، إذ أن مسؤولية ضخمة تقع على وزارات وجهات اتحادية وولائية
”
رجل المرور – لسوء حظه- هو الجزء الظاهر للناس من الصورة إذا تعلق الأمر بحوادث الطريق، إذ أن مسؤولية ضخمة تقع على وزارة الطرق الاتحادية (أو وزارة البنى التحتية في حالة ولاية الخرطوم)، ومسؤولية أخرى على الشركات المنفذة للطرق التي من المفترض أن تضع العلامات الإرشادية، وأخرى على المحليات إذا كان الحديث عن الإنارة، ومسؤولية أضخم على مستخدم الطريق إذا كان الأمر له علاقة بالسلوك.
حال الطرق الداخلية بولاية الخرطوم ليس أفضل من الطرق القومية في أي شيء، كانت دهشتي عظيمة عندما علمت أن حوالي مليون سيارة في الخرطوم لا يتوفر لها من الطرق المعبدة إلا حوالي ألف وخمسمائة كيلو متر، وهذا يعني أن السيارة في ولاية الخرطوم لا تجد متراً واحداً مرصوفاً لتسير عليه.
عقدة تحتاج لحل
العقدة التي تحتاج إلى حل هي سلوكنا نحن كمستخدمين للطريق سائقين أو راجلين، أقول هذا دون أن أسقط المسؤولية عن الأطراف الأخرى من شرطة مرور ووزارة صحة ووزارة طرق.
المشكلة الكبرى التي تواجه الخرطوم في انسياب الحركة المرورية، هي أن زيادة المستخدمين لا تتناسب طردياً مع زيادة الشوارع المرصوفة.. والزيادة المقصودة هنا هي زيادة الطول والعرض.. هذا الوضع هو الذي قاد إلى المعادلة المخيفة التي حكيناها.
ففي مقابل مليون عربة تسير يومياً بالخرطوم (هذه الإحصائية لا تشمل العربات غير المرخصة ولا التي تدخل من الولايات القريبة، ولا تدخل فيها الركشات غير المرخصة وعربات الكارو) مقابل ذلك لا يتوفر إلا ألف وخمسمائة كيلو متر من الطرق المرصوفة.
وهذه المعادلة مخيفة لأنها تشير إلى أن كل الساعات الحية تمثل ساعة ذروة مرورية في الخرطوم.. هذه المعادلة المختلة لا يتسبب فيها رجل المرور ولكنه للمفارقة أول ضحاياها..لأنه يتعين عليه ويفترض فيه أن يحسن تصريف هذا العدد من العربات لتسير في هذه المساحة الضيقة من الطرق.
ويبدو واضحاً وجلياً صعوبة هذه المهمة وبالتالي ينسحب اللوم على شرطي المرور وينال حظه من التذمر والضجر، دون أن يدرك الناس أن تمهيد الطريق وتشييد بنية تحتية ملائمة هي مسؤولية جهات أخرى ليس من بينها شرطة المرور، في هذه المساحة تختفي وزارة الطرق أو وزارة البنية التحتية وتختفي الشركات التي نفذت الطريق وكان من المفترض أن تسلمه مكتملاً بعلامات مروره، وتختفي المحليات التي من المفترض أن تنير الطريق ليلاً.
ايقاع المخالفات المرورية
اللجوء لإيقاع المخالفات المرورية بغرض انسياب الحركة ولفت انتباه السائق يقابله الكثيرون -وأنا منهم- ببرم وضيق ويحاول بعضهم الاستنجاد بمعارفه من ضباط المرور وإذا أفلح المستنجد في مسعاه فإن هذا الأمر يشجع على ارتكاب المخالفة مرة أخرى، كما أنه في المقابل يغل يد رجل الشرطة في إيقاع المخالفات لأنهم يدركون حينها أنهم يحرثون في البحر، فلماذا يتعب رجل الشرطة لتحرير المخالفة إذا علم أن المخالفة لن تكون سارية ونافذة.
”
رئاسة المرور بالولاية أطلعتنا على كاميرات المراقبة الضخمة التي تراقب بصورة أساسية الكباري بين الخرطوم وبحري وأم درمان، لفك الاختناقات التي تحدث في الكباري إلى جانب مراقبة التقاطعات الرئيسة بالخرطوم
”
اطلعت في رئاسة المرور بالولاية على كاميرات المراقبة الضخمة التي تراقب بصورة أساسية الكباري بين الخرطوم وبحري وأم درمان، لفك الاختناقات التي تحدث في الكباري إلى جانب مراقبة التقاطعات الرئيسة بالخرطوم.. وقد كانت فرصة لأشاهد حوادث المرور التي ضبطتها الكاميرا وسجلتها.. وهي حوادث تضاهي الأفلام السينمائية.
لاحظت أن معظم هذه الحوادث تتخذ مسرحها في التقاطعات رغم وجود إشارات المرور وكان القاسم المشترك فيها، محاولة كسب كسر من الدقيقة بين الإشارة الحمراء للمخطئ والخضراء لمن وقع عليه الخطأ. . قاسم مشترك آخر وهو أن كل الحوادث التي طرفها دراجة بخارية يكون صاحب الدراجة حاسر الرأس ولا يرتدي الخوذة التي تحمي من إصابات الرأس وهي إصابات قاتلة ومميتة.
مما يؤسف له أن كل هذه الحوادث التي تم عرضها أمامي وشاركني بالحضور والمشاهدة أيضاً الدكتور عبداللطيف البوني، لم أتوافر على لقطة لمواطن اتصل هاتفياً لطلب الإسعاف.. لم استغرب لملاحظتي هذه لأنه ببساطة لا يوجد إسعاف أصلاً.. فحكومة الولاية لسان حالها يقول: أسعف مين ولا مين.
على كل فإن مهمة رجل المرور كبيرة وخطيرة ويفاقم من أهميتها الوسائل البدائية والظروف غير المواتية التي يعمل فيها رجل المرور، وأعتقد أن هذه الظروف يجب أن تمثل تحدياً لبذل مجهود أكبر.
شبكة الشروق