الوطن.. و”كلوسترول” البحث عن السلطة
هناك شعارات تستهلكها الخطب والبيانات السياسية بإفراط شديد لكن في الواقع لا تكاد تجد على طول وعرض الساحة السياسية أية خطط أو مشروعات أو برامج وطنية مطروحة تهدف بصدق أو تتطلع بجدية لتحقيق معانيها..
مصطلحات مثل (البناء الوطني) و(التشكيل القومي) و(البناء الاجتماعي) أو (رتق النسيج الاجتماعي)، إلى آخر تلك المعاني التي تحقق المعالجة والشفاء الوطني المطلوب للانطلاق نحو المستقبل..
المحبطون الذين يتحدثون بلغة اليأس من إمكانية انصلاح حال هذا البلد لا ينطقون بهذه اللغة المحبطة بسبب ظروف اقتصادية عابرة أو أزمة سياسية يمكن تسويتها في أية لحظة أو حرب يمكن أن تتوقف مؤقتاً أو نهائياً باتفاق سلام بين يومٍ وليلة..
لكنهم ينظرون إلى غياب المشروع الوطني الذي يحقق معاني كل تلك الشعارات.. غياب المشروع الذي لا يكون التمسك بالسلطة أو تغييرها غايته الأساسية وحد تصوراته للإصلاح والتغيير.. غياب المشروع الذي لا يعتقد صاحبه أن أزمة السودان ستحل بمجرد توليه السلطة أو إزاحة النظام الحالي والإطاحة به..
غياب المشروع الوطني الذي يمتنع ويتخلى أصحابه عن أية نشاطات أو ممارسات تستفيد أو تزيد من الحالة القبلية وتستغل الدوافع العرقية أو التقصير التنموي هنا أو هناك لتحويله لطاقة جهوية ووقود مصنوع من مادة الكراهية والغبن لتنفيذ برامجهم التي تهدف في غايتها النهائية إلى الوصول إلى السلطة مثلما فعل خليل إبراهيم في محاولته اقتحام العاصمة في 2008 قاصداً الوصول إلى القصر الجمهوري .
الكثيرون الآن يقولون (البلد دي دايرة ليها مية سنة عشان تتصلح) هؤلاء لا ينظرون لخراب المباني بل لخراب النفوس وغياب الحس القومي الوطني الذي يمثل شرطاً أساسياً من شروط نهضة الأمم..
الحس القومي الوطني الذي يدين الاعتداء على المكتسبات الوطنية المادية والمعنوية والتعدي على الحق العام بدرجة ليست أقل من إدانة السلوك الإجرامي في التعدي على الحق الخاص.. والحق العام هذا يعني المال العام والأمن العام في المجتمع على حد سواء فمثلما ندين الفساد المالي في الدولة يجب أن ندين الحرب والتمرد العسكري بنفس القدر .
تعزيز الحوار بين شرائح المجتمع، ودعم التواصل الاجتماعي على أساس المساواة بين الجميع، وإدانة كل أشكال العنف وإعلاء ثقافة الحوار ونبذ العصبية والقبلية.. هذه هي أركان البناء الوطني المطلوب ولا تنتظر للعمل على تحقيقها تغيير السلطة كشرط بل يمكن لمن ينشد هذه المعاني ضمن برنامجه أن يباشر العمل على تحقيقها في المجتمع من خلال التثقيف والتنوير وبث ثقافتها ولن يجد من يعترض طريقه مهما كانت هويته السياسية .
مثل هذه البرامج الوطنية يجب أن تنتظم فعالياتها في كل دور ومقار الأحزاب السياسية الموالية والمعارضة باستمرار.. اعرضوا لنا بضاعتكم الوطنية.. باشروا دوراً ملموساً ومحسوساً وإيجابياً ودعكم من هذا التعطل المخجل واللطم على جبين الخيبة .
ليست لدى القوى السياسية برامج وطنية خالصة وبناءة وخالية من (كروسترول) البحث عن السلطة وإلا.. فلو تفهمنا وقدرنا عدم انضمامهم للحوار الوطني في شقه السياسي فما الذي كان يمنع من انتظامهم كنخب ومثقفين معارضين في الحوار المجتمعي الذي هو بالمعايير التي نتحدث عنها الآن أهم من الحوار السياسي وأكثر إلحاحاً كما أن الانتظام فيه والتفاعل معه لا ينتقص من المواقف السياسية شيئاً.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.