عبد العظيم صالح : الصحافة.. «جري الكرعين»
رحم الله شيخ العرب المرحوم الدكتور عمر نورالدائم..
أيام الديمقراطية الثالثة كانت للرجل صولات وجولات في الساحة السياسية واشتهر بإطلاقه لكثير من النعوت على خصومه السياسيين.. في الغالب الأعم لا يغضب الناس من كلماته التي تبدو قاسية ولا يمكن (بلعها)بسهولة ومع ذلك فقد كانوا يقابلونها بصدر رحب لأنها تصدر من قلب أبيض وسريرة نقيه وتأتي مغلفة في قالب فكاهي مضحك .
في إحدى المرات قال كلاماً قاسياً في حق الصحفيين والصحف أثار ردود أفعال كبيرة ومتباينة. آنذاك كنا مجموعة من الصحفيين المسؤوليين عن تغطية جلسات الجمعية التأسيسية وتربطنا به علاقة طيبة بحكم تواجدنا اليومي في البرلمان. فقمنا بمحاصرته وهو يهم بالنزول من سيارته في طريقه لحضور الجلسات عاتبناه على كلامه وهجومه على الصحفيين.
سكت الرجل وبدأ ينظر للأرض وهو ينقر بعصاه ثم رفع رأسه وخاطبنا قائلاً في ما يشبه الاعتذار (أنا ما قاصدكم انتوا.. انتوا أولادنا الجارين تحت كرعينا.. أنا قاصد الكبار ابان كروش. القاعدين تحت المكيفات)
رحم الله المرحوم عمر نور الدائم وسقى الله تلك الأيام الزاهيات.. تذكرت تلك الحكايه ذات الدلالات والعالم يحتفل باليوم العالمي لحرية الصحافة
وتحية خاصه لزملائي الصحفيين من الكادحين و (الجارين تحت الكرعين).يملأون (الدوائر)(الفارغه)حركة ونشاطاً .يكتبون الخبر والتقرير والحوار والتحقيق ويلهثون وراء التفاصيل والأحداث.. يكدون ويجتهدون في ظروف عمل بالغة التعقيد ومع ذلك لا يكلون ولا يفترون وهم يقبضون آخر الشهر دراهم لاتسد رمقاً ولا تروي عطشاً.
في اليوم العالمي لحرية الصحافه أنا احتفل بهذه الشريحة فهي (جمل الشيل).وهي (الساس) وهي (الرأس وهي التي تستحق جائزه (تقديرية في الصمود والتحدي في مهنة لم يعد بها كثير من البريق الجاذب عدا أوهام قديمه لا زال يرددها البعض بأنها (رسالة)
نعم توجد الآن (ثلاثة أجيال من الصحافة في مستويات عمرية ومهنية ووظيفية متباينة ولكنها تشترك في انتمائها للطبقة المسحوقة التي (تناضل)يومياً لتأكل وتعيش وتبحث عن ذاتها.. وقد تجده وقد لا تعثر عليه في معمعة عتمة تتعذر رؤية مخارجها.
وتجربة بيوت الصحفيين خير دليل على بؤس الحالة التي تكتنف (الصحفيين الجارين تحت الكرعين) .كثير من البيوت فاضية وأكثريه استعصى عليها السداد رغم كونها مساكن شعبيه (تفتح)في أطراف (الصحراء)المحيطة بالعاصمة
البيوت مهددة بالنزع فإن حدث ذلك فهو (العار).
نعم واقع الصحافه الحالي (بائس).وهي كصناعه مهددة بالتوقف وكمهنه تواجه شبح التلاشي وكوسيلة فإنها تدخل في سباق غير متكافيء مع وسائل الاتصال والإعلام المنافسة لها في الساحة منافسه قد تطيح بها أرضاً وقد (تقذف)بها خارج حلبة الصراع.
وسط كل هذه الضبابية وهذا (الحصار)و (الضيق)و (الكبت) فثمة ضوء في نهاية النفق.. وما أضيق الحياة لولا فسحة الأمل.
الصحافة مهمة وضرورية وسلطة . شاء من شاء وأبى من أبى.. فبحالها المائل (ده)مفيدة للوطن والحكومة وترياق ضد الفتن والعنصريات والجهويات وصمام أمان لأمان الوطن واستقراره ..الصحافة الورقية رغم أن البعض (يحدر ليها في الضلمة) ولكنها المعادل الموضوعي للمصيبة الجديدة (النت) حيث اختلاط الحابل بالنابل. والخبيث والطيبـ والحقيقة والإشاعة فهي الكفيلة بالحد من انتشار الغول الجديد (البشوت ضفاري وماعندوا يا يمه ارحميني) في تفريخ الشائعات التي لا تبقي ولاتذر
للحصول على (صحافه محترمة ومهنية وتعيد أمجاد زمان (اتصل)على (شريحة الصحفيين الجارين تحت الكرعين) وانصفها مره.
ورحم الله المبدع خوجلي عثمان وأطال عمر شاعرنا الجميل إسحاق الحلنقي (اسمعنا مره وحاتنا عندك اسمعنا مره.. والدنيا تبقي مافيها مره
وكل عام وحرية الصحافة بخير
وفتكم بعافية أو كما قال (عماد محي الدين).