مقالات متنوعة

م. ناصر القحطاني : هل نحن بحاجة لخادمات؟

في صيف2005 وتحديداً في مدينة فانكوفر الكندية دعاني أحد أصدقائي الكنديين لتناول العشاء في منزله، ودعا بعض أصدقائه وعائلاتهم ليشاركونا العشاء، وكالعادة في مثل هذه المناسبات كان الحديث عن ثقافات الشعوب وعاداتهم خصوصا في المجال الاجتماعي، وفجأة سألتني إحدى المدعوات عن أفضل ما رأيت في كندا في هذا المجال، فقلت لها: إن من أفضل ما رأيت في البيوت الكندية هو تعاون الزوج مع زوجته للقيام بشؤون المنزل من طبخ وغسيل واعتناء بالأطفال، وجرنا هذا الحديث إلى أن سألوني عن حياتنا كشعوب شرق أوسطية (كما يسموننا) وأنهم يسمعون أن لدينا خادمات مقيمات معنا في البيوت فقت لهم: نعم وللأسف وكان الصدمة الكبيرة لهم حينما عرفوا الأجور الشهرية للخادمات في المنزل الخليجي!! وما زلت أتذكر أنها أعادت السؤال علي عدة مرات عندما سمعت أن الراتب الشهري بحدود 160 دولارا شهريا (600 ريال) وتمنت تلك المرأة الكندية لو تحصل على أي جنسية خليجية فقط لكي تحصل على خادمة مقيمة معها طوال السنة فقط بـ 160 دولارا شهريا.

ظاهرة استقدام الخادمات غزت الأسر الخليجية مع بدايات عام 1400 هجرية وساهم تدني الراتب الشهري (400 ريال للجنسية السريلانيكة) و (600 ريال للجنسية الأندونيسية) في تفشي هذه الظاهرة والتي شيئا فشيئا تحولت من ترفيه إلى ضرورة وتحولت من امتياز للأثرياء إلى مكون أساسي من حياة ذوي الدخل المتوسط، واصبحت وللأسف جزءا لا يتجزأ من مكونات أغلب الأسر في الخليج، بل تعدى هذا الأمر لكي تصبح شرطا في بعض عقود النكاح لعروس جديدة وذلك بسبب خروج جيل جديد من البنات لا تريد الواحدة منهن أن ترفع منديلا من الأرض.

تشير الدراسات إلى أنه يوجد بالخليج ما لا يقل عن من مليون خادمة تنفق عليها الأسر مبالغ تتجاوز 26 مليار ريال سنويا بمعدل 26000 ريال للخادمة الواحدة سنويا شاملا بذلك رسوم الاستقدام وتذكرة العودة والراتب الشهري، بل واصبح المحظوظ هو من تصل خادمته خلال فترة وجيزة وتحولت هذه الظاهرة من كونها مركز تكلفة إلى مركز ربحي للعائلة وحينما نتامل بعمق ماهي الجوانب الربحية للعائلة ولماذا تعم مشاعر الفرح والبهجة بوصول الخادمة؟، نجد أن الربح للعائلة هو الكسل والتنصل من المسؤولية سواء بشؤون البيت أو تربية الأطفال وتفويض كافة هذه المهام إلى السيدة الخادمة!!!

قبل فترة اتصل بي احد الزملاء يستنجد ويريد خادمة بأي مبلغ (نقل كفالة) والسبب أن خادمتهم سافرت ولم تصل البديلة بعد، علما أن زميلي هذا موظف (على قد حاله) وزوجته ليست موظفة، وعنده 3 بنات أنهين المرحلة الثانوية، سألته مستغربا: ولماذا لا تقوم زوجتك وبناتك بمهام الخادمة؟ تنهد قليلا وقال لي: حياتهن بالليل سهر وبالنهار نوم ولا يُردن القيام بأي أمر، و أعتقد ان هناك مئات الآلاف من الحالات المشابهة لقصة صاحبي والذين سيطر على حياتهم الكسل والخمول وأصبح وجود الخادمة شرطا للسعادة المنزلية وإذا غابت غابت معها السعادة.

قبل 3 أسابيع دخلت زوجة أحد زملائي الضباط المستشفى وصادف دخولها المستشفى هروب خادمتهم بنفس اليوم واستمرت زوجته 10 أيام بالمستشفى وحدثني بكل سعادة وابتهاج عن تجربته مع أطفاله في توزيع مهام البيت بينهم وعن قربه من أطفاله عاطفيا وسعادتهم بالعمل سويا مع والدهم لإدارة المنزل وشعورهم بالإنجاز في ذلك، وكان يتحدث لي بالتفصيل أن ابنته البالغة من العمر 11 سنة تولت غسيل الملابس في الغسالة الأتوماتيكة وكيها بعد ذلك وتوزيعها في الدواليب، وعن تعاونهم في إعداد وجبة الغداء والعشاء وترتيب المنزل وكانت المفاجأة بأن أطفاله طلبوا منه أن لا يحضر لهم خادمة وان يستمروا بهذا التعاون حتى بعد خروج امهم من المستشفى.

غياب الحاضنات ودور استقبال الأطفال النهارية الاحترافيه للأمهات العاملات – كما هو في سائر دور العالم – فاقم من المشكلة واصبحت الأم العاملة مضطرة إلى استقدام مربية ترعى طفلها حتى ترجع من العمل، وإنني من خلال منبر (اليوم) الإعلامي أتوجه لكل من معالي وزير الشؤون الاجتماعية ووزير التجارة ووزير البلديات بمقترح إيجاد ودعم وتسهيل مراكز حاضنات أطفال في كل حي والتي تعتبر مشروعا ربحيا استثماريا إذا تم توفير الأرض من أحد المرافق العامة بالحي، حيث ستستوعب هذه المراكز آلاف الخريجات الساكنات بنفس الحي وتتولى بنات الوطن تربية أطفال الوطن.

تعج وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عن (المعاناة) بسبب رسوم الاستقدام للخادمات المبالغ فيها والتي تضاعفت 300 % وعن تأخر وصول الخادمات والذي يصل في كثير من الأحيان إلى 12 شهرا وعن المفاوضات مع حكومات بعض الدول الآسيوية والافريقية وعن اشتراطات تلك الدول وبنود عقد العمل والتعديل عليها..الخ، لكن السؤال الحقيقي الذي يجب أن نجيب عليه بكل صراحة وواقعية: هل نحن فعلا بحاجة لخادمات؟ هل ممكن ان نصرف الـ 26 مليار ريال – التي ننفقها على الخادمات – على مشاريع تعليمية لأبنائنا او ادخارها لهم في المستقبل؟ هل ممكن أن تكون الأسرة التي ليس لديها خادمة هي الأسرة المميزة التي يشار إليها بالبنان؟ هل ممكن ان تقوم الام بوظيفتها الأساسية كأم وزوجة وكذلك الأخ والاخت والزوج؟ هل ممكن أن نصبح كسائر شعوب الأرض ونعيش في اسرة بلا خادمة؟.. بانتظار إجاباتكم وتجاربكم.