إنه الحب ..
كتب صديقنا الأستاذ “عادل عبده” في مقال تم نشره في صفحة الرأي يوم (الاثنين) الأول من أمس بهذه الصحيفة، متسائلاً بـ(الخط العريض): “مجدي عبد العزيز”.. كيف يلمس كبرياء أم درمان..؟، والكاتب يلمس إحساس أهل العاصمة الوطنية، ويشير إلى أنها البوتقة الجامعة لكل أطياف السودانيين، وقد صدق في ذلك، لكنه يشير إلى أن شيئاً ما في نفوس أهل المدينة العريقة يؤرقهم مع اعتقاد قوي بأن الواقع قد ظلمهم كثيراً مع رغبة في استعادة الوضع القديم على السياق الرمزي ومطالبات بطفرة بلا حدود على نطاق الخدمات وأنماط الحياة والأنشطة المختلفة من تجارة وصناعة وغيرهما.
نرى أنه لا خوف على معتمد محلية أم درمان الشاب “مجدي عبد العزيز”، فهو من أبناء المدينة الذين رضعوا كبرياءها، وتمرغوا في نعيم مجدها المقيم، وهو يعلم أن السلوك العشوائي الخائب الذي يمارس الآن في أسواق المدينة وبعض شوارعها، إنما هو سلوك طارئ وغير مقيم، بل هو في الحقيقة سلوك وافد خاصة في الأسواق التي كانت واضحة التقسيم، حيث (سوق النسوان) لا يبعد كثيراً عن سوق (التشاشة) قريباً من سوق الصاغة وشرق سوق الخضار، وفي الطريق الفاصل بينهما (سوق الشمش)، حيث يبيع (الفراشة) لبواقي جملة الأقمشة والأواني المنزلية.. أما الآن فقد اختلط حابل ذلك كله بنابله، وقد تجد من يبيع الطعام والأسماك المشوية مجاوراً لباعة الخردوات.
القلق الأم درماني العام، نابع عن حب أهل المدينة لمدينتهم التي تمددت وتضاعفت بحجم ثلاث محليات هي (كرري) و(أم بدة) غير (أم درمان) نفسها، وتضاعف عدد سكانها عشرات المرات، وأصبح عدد سكان محلية واحدة يساوي عدد سكان دولة صغيرة (!).
“أم درمان القديمة”.. الإرث والتاريخ والقيم لن تعود، فقد استقبلت قيماً وافدة تلاعبت بالموروث القيمي والأخلاقي القديم، ولن يستطيع أحد أن يمنع وافداً جاء إلى المدينة يسعى، فأسباب النزوح معلومة، وهنا تظهر نظرية (قيم الأغلبية الوافدة تدك ثبات القيم القديمة)، لذلك تتراجع مقومات صياغة الوجدان والإنسان التي أسست للشخصية الأم درمانية، والشخصية القومية من خلال الأشعار والقصص والحكايات والأغاني، تتراجع بسرعة مخيفة إلى ما وراء تاريخ التماسك المجتمعي والقيمي، تتراجع إلى عوالم جديدة من الهموم والأمنيات التي يقترن بعضها ببعض في مخيلة كل أم درماني يعتز بأن مدينته هي الحلم الكبير بوطن يسع الجميع.
حتى في مجال الغناء نتساءل – أين لنا من شعراء أمثال “ود الرضي” و”أبو صلاح” و”سيد عبد العزيز” و”أحمد العمري” و”أحمد حسين العمرابي” و”بطران” و”الأمين” و”عتيق” و”حدباي” و”عبد الرحمن الريح” و”عبيد” و”تلودي” و”فلاح” وغيرهم.. (!) أين لنا من أصوات عالية التطريب راسخة في هندسة الوجدان من أمثال “الخليل” و”عبد المعين” و”محمد ود الفكي” و”سرور” و”عبد الله الماحي” و”كرومة” و”الأمين برهان” و”إبراهيم عبد الجليل” و”عطا كوكو” و”محمود عبد الكريم” (أولاد الموردة) و”ميرغني المأمون” و”أحمد حسن جمعة”.. وغيرهم وغيرهم.
أحلام المدينة عريضة وتحدياتها صعبة، وفوضى الحراك المجتمعي الجديد عصية على استيعاب عقول أهل المدينة الفاضلة.
مهمة “مجدي” صعبة يا أخي “عادل”.. لكنها ليست مستحيلة.
===
نادية