بين الموهومين والمطلوبات الوطنية!
لربما لم يدرك المحبطون من قوى (نداء السودان) ممن أعدوا أنفسهم منذ الأربعاء الماضي لتسلم السلطة التي ظنوا أنها جاءتهم على طبق من ذهب تجرجر أذيالها بدون أن يوجفوا عليها خيلاً ولا ركاباً ..أقول لربما لم يدركوا مقدار جهلهم بديناميكيات التغيير في هذه اللحظة التاريخية الأمر الذي حفزني لكتابة هذا المقال ناصحاً ومشفقاً رغم أن بعض هؤلاء – خاصة الإمام الصادق المهدي وابنته المنصورة مريم – يعلمون الكثير مما يجهله حلفاؤهم الآخرون من قوى اليسار وعنصريي الحركات المسلحة المندفعين بطموح أرعن جعلهم يدبجون بيانات (الثورة الظافرة) شأنهم شأن (ظلوط).. ذلك الديك البليد الحالم بالمستحيل.
أحدهم ، وهو زعيم حزب سياسي يملأ الدنيا ويشغل الناس هذه الأيام بالضجيج والعويل مستفيداً من امكانات زعيمه ، وجه إليّ – باسمي- صباح الجمعة في أحد (قروبات) الواتساب فيديو يحمل نشيداً ثورياً بعنوان (الثورة انطلقت) ! .. عندما استمعت إليه اشفقت على ذلك الرجل الذي ظل يناكفني آناء الليل وأطراف النهار من خلال خطاب محتشد بالضغائن والمرارات ونداءآت الثأر، ثم أعقب الفيديو بمقال ملتهب أرسله في كثير من (القروبات) يهدد فيه ويتوعد، وختمه بالرد على ما ظللت أحذر وأتخوف منه من أن تنزلق بلادنا في فوضى وصراع يقضي على الدولة ويدخلها في أتون حرب أهلية لا تبقي ولا تذر أسوأ من تلك التي شهدتها ولا تزال سوريا أو ليبيا أو العراق أو الصومال فكتب ما يلي :
(وعلى الذين يخوفون الناس بمصير سوريا وليبيا ، وهم بذلك القول يقيسون أنفسهم تماما بالأسد والقذافي ، عليهم أن يعلموا أنه قريباً جداً لن يكون هناك ثمة فرق لدى الناس كيف يموتون لأنهم الآن يقتلون بالحزن على وطنهم وأولادهم .. حينها فقط لا يعنيهم إلا أن يأخذوا ثأرهم (منكم) ولن يفرق معهم أن يضيع الوطن لأنه ما عاد وطنهم وإنما وطن بني أمية).
بالله عليكم انظروا إلى كمية الجنون والحقد الأعمى والحالة الانتحارية التي تلبست بعض هؤلاء الذين تمثلوا المقولة المنسوبة إلى (شمشون) وهو في حالة يأس قاتل ..(عليّ وعلى أعدائي يا رب)!
كتبت في (القروب) معقبا ما يلي :
(بالله عليكم تأملوا بعين العقل أيها الإخوة والأخوات الكلمات العاطفية الملتهبة التالية التي ختم بها خطبته المدوية .. هل كان منطقه مقنعاً وهو يجيب على من يتخوفون من مصير سوريا وليبيا ؟وهل كانت سوريا آمنة مطمئنة تحت حكم الجزار بشار أم الآن وشعبها مشرد بين أوروبا وأمريكا والسودان والعالم وحرائرها يتسولن بل يبعن أحياناً شرفهن للذئاب من تجار الأعراض؟
ليت يعلم أننا لسنا أقل حباً منه لهذا الوطن، ولسنا أقل شجاعة واستعداداً للتضحية في سبيله وليته وغيره ممن يحملون حطب الحريق لإشعاله يتأملون كلام الله تعالى الذي إليه يتوجهون بصلاتهم وحجهم () وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
بعد ذلك أرسل الرجل والفرح يكاد يقتله (بوست) معد بعناية فائقة وخط جميل يحمل عبارة (جمعة الغضب) وكانت الساعة وقتها تزحف ببطء نحو موعد صلاة الجمعة، وراودني خوف مما يمكن أن يكون (حمالة الحطب) ورفاقه قد فعلوه استعدادا لتحريك (الثورة) من مساجد العاصمة، لكن أكثر ما طمأنني أن يوم الجمعة ليس يوماً للرفاق وساحاتها ليست ساحاتهم وانتظرت إلى أن انتهى وقت الصلاة في كل مساجد العاصمة، وظللت أتسقط الأخبار بحرص شديد وكتبت بعدها ما يلي ناصحاً صاحبي الموهوم:
(طال الزمن أم قصر سيدرك .. أن تحالفهم مع المتمردين العنصريين من حملة السلاح يخصم من رصيدهم السياسي ويمكن خصومهم من انتياشهم .. جهدنا المتواصل في (الانتباهة) قبل اختطافها ثم (الصيحة) نجح في كشف ما يضمره عرمان ورفاقه للخرطوم والسودان.
من أهم الأسباب التي أفشلت (انتفاضة) سبتمبر (2013) ما اقتنع به سكان العاصمة أن من احتلوا (أب كرشولا) وغيرها وذبحوا أهلها لا يمكن أن يكونوا بديلاً .
ثم معقول يوم الجمعة يصبح لحلفاء عرمان الذي يستهدف دين الناس وصلاتهم؟! (اختوا) الجمعة يا … فهذه للركع السجود وليس لحلفائكم من بني علمان).
أقول ذلك محدداً موقفنا السياسي حول ما جرى ويجري وأعلم علم اليقين أن الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية مأزومة وأن درجة الاحتقان بل والغليان وصلت درجة الانفجار أو كادت، ولكن ما اتعسنا نحن أهل السودان ..حين نكون مخيرين بين الرمضاء والنار، وأقسم بالله أن غفلة ولاة الأمر وتماديهم ورفضهم لخيارات الانتقال السلمي السلس وتقديم التنازلات التي يمكن أن تفضي إلى جمع أبناء السودان حول ما ينزع فتيل الصراع والتغابن يمكن أن يؤدي إلى الكارثة التي ظللنا نسعى إلى تجنبها بكل الوسائل فهل يثوب (الراكبون رؤوسهم) إلى رشدهم قبل فوات الأوان؟.