“حسن عبد الوهاب”.. تكريم مستحق
غداً (السبت) يتم تكريم أستاذنا الكبير وصديقنا الأثير الأستاذ “حسن عبد الوهاب” وقد تم تكوين لجنة قومية برئاسة الدكتور “مصطفى عثمان إسماعيل” لتكريم هذا الرمز الإعلامي الكبير، وهو أحد نجومنا اللامعة في سماء الإعلام، ويعدّ نموذجاً لمعد البرامج والمذيع المثقف المتمكن الذي وثق لنفسه من خلال ما قدمه من برامج تلفزيونية ظلت متقدة ومتوهجة منذ لحظة بثها وحتى يومنا هذا، ومن أشهرها برنامج (شواطئ) وبرنامج (قوافل الزمان)، وقد كانت طلة الأخ الأكبر الأستاذ “حسن عبد الوهاب” المريحة هي جواز سفره إلى عيون وقلوب مشاهدي التلفزيون في حقبة السبعينيات بدايات ظهور الأستاذ “حسن عبد الوهاب” الذي التحق بالعمل في تلفزيون السودان في العام 1969م، لكن أكثر ما رسخ صورة هذا النموذج الرفيع والمثقف من المذيعين ومقدمي البرامج، كان هو تلك الحوارات القوية والجريئة مع عدد كبير من زعماء القارة الأفريقية، وقادة ثوراتها من المناضلين الكبار إبان حركات التحرر التي انتظمت القارة السمراء، حيث أجرى لقاءات تلفزيونية– أتمنى أن يكون التلفزيون محتفظاً بها– في العام 1978م، مع القادة الأفارقة “روبرت موقابي” أول رئيس لناميبيا و”سامورا ميشيل” أول رئيس لموزمبيق، و”أنور السادات” رئيس مصر في ذلك الوقت، و”عبد العزيز بوتفليقة” رئيس الجزائر الحالي وكان وقتها وزيراً لخارجية الجزائر، وغيرهم.. وقد كان ذلك في أواخر مايو عام 1978م، على هامش انعقاد مؤتمر منظمة الوحدة الأفريقية– وقتها– بالخرطوم.
“أبو علي” كما يحلو لنا أن نناديه، لم تكن مسيرته العملية سهلة، مثلما لم تكن حياته كذلك، فعند انقلاب مايو 1969م، الذي رفع رايات الثورة (الحمراء) ضد الطائفية والرجعية، كان أستاذنا “حسن عبد الوهاب” من ضحايا ذلك الانقلاب، في أيامه ولياليه الحمراء الأولى تلك، فقد تم اعتقاله وقضى بالمعتقل نحو ثلاثة أشهر، وربما أكثر حيث اتهم بأنه من الإسلاميين، عندما كان الانتماء للحركة الإسلامية تهمة وجريمة.. وقبلها تم فصله عام 1964م، أواخر عهد الرئيس الفريق “إبراهيم عبود”– رحمه الله– من جامعة الخرطوم التي التحق بها عام 1961م لدراسة القانون لأسباب سياسية، لكنه التحق بعد ذلك بجامعة “إنديانا” في الولايات المتحدة الأمريكية عقب حصوله على بعثة دراسية عام 1967م على حساب برنامج المعونة الأمريكية، لكنه لم يهنأ بها طويلاً إذ سرعان ما تم قطع البعثة بعد عام واحد لموقف السودان من الحرب المصرية الإسرائيلية عام 1967م.
صحياً واجه “أبو علي” بإيمان عجيب ابتلاءات وابتلاءات، بدأت عام 1978م عندما ترأس الوفد الإعلامي الذي رافق الرئيس “نميري”– رحمه الله– في زيارته لجمهورية ألمانيا الاتحادية، وخلال إحدى جولات التفاوض بين الرئيس “نميري” والمستشار “هليموت شميدت” شعر الأستاذ “حسن عبد الوهاب” بإعياء ثم سقط على الأرض، ولم يفق من غيبوبته تلك إلا في أحد المستشفيات الألمانية ليجد أمامه الأستاذين الراحلين “حسن ساتي” و”أدروب عبد الرحمن أحمد”، واهتم الرئيس “نميري” بحالة الأستاذ “حسن عبد الوهاب” فوجه بأن يبقى بألمانيا بعد أن كشف الأطباء عن إصابته بالفشل الكلوي، وتم إلحاقه بالسفارة السودانية هناك حتى يتمكن من مواصلة العلاج، وحدثت له مضاعفات عديدة حتى أنه اضطر إلى إجراء أكثر من ثلاثمائة عملية، وأصبح يعيش الآن بنصف رئة وكلية واحدة مزروعة بعد أن تم استئصال كليتيه، ويمشي بواسطة كرسي متحرك بعد أن تم تركيب أربع دعامات (مسامير) له ومسطرة ومجموعة من الأدوية اليومية.. لكن ذلك كله لم يطفئ جذوة الإبداع داخله، وعاد إلى الخرطوم أكثر من مرة خلال وجوده بألمانيا، وكان لي شرف التعرف عليه في العام 1980م وظلت علاقاتنا قائمة وممتدة إلى يومنا هذا.
غدا (السبت) الذي يصادف اليوم الثلاثين من أبريل الجاري هو موعد الاحتفال بتكريم أحد رموزنا الإعلاميين الكبيرة بقاعة الصداقة، أستاذنا وأستاذ الأجيال “حسن عبد الوهاب” المتشرب بروح الوطنية، عميق الثقافة، المعتز بسودانيته، الذي ينتمي لكل السودان من خلال انتمائه لمدينة (ود مدني) التي درس بها المرحلتين الأولية والوسطى، ليلتحق بعد ذلك بمدارس الأحفاد الثانوية في أم درمان رغم أن جذوره تمتد إلى “الزومة” بالولاية الشمالية– (18) كلم شمال كريمة– لكنه كان دائماً وجهاً مشرقاً ومشرفاً لكل السودانيين من مختلف المناطق، وكان نموذجاً عظيماً للشخصية الإعلامية السودانية التي تستحق التكريم.. مبروك.
ونسأل الله تعالى أن يمتع أستاذنا الكبير “حسن عبد الوهاب” بالصحة والعافية، وأن يبقيه ذخراً ثقافياً ومعرفياً لنا ولبلادنا، فقد اجتهد في حياته وعمل وثابر وصبر.. اللهم تقبل منه وابقه عبداً صالحاً عابداً، وتقبل منا الدعاء.. آمين.
و.. جمعة مباركة.