د. جاسم المطوع : كيف تسأل طفلك بطريقة صحيحة ؟
كثيرا ما نتهم أبنائنا بأنهم لا يتحدثون معنا بتفاصيل يومهم ، ولو دققنا في سبب المشكلة لوجدنا أن طريقة سؤالنا لهم كانت خاطئة ، فعندما نسألهم سؤالا مفتوحا مثل : ماذا عملت بالمدرسة اليوم ؟ فيكون جوابه : ولا شي أو درسنا ، ثم نستغرب بأنه لم يتكلم معنا بتفاصيل يومه ، بينما لو غيرنا صيغة السؤال وقلنا له: ماذا قال لك معلم الرياضيات ؟ أو مع من لعبت اليوم في الفرصة ؟ لكان الجواب مختلفا وتحدث الإبن بتفاصيل وبقصص حدثت معه ، لأن صيغة السؤال اختلفت
مثلما نقول للإبن ما الذي يعجبك بوالدك ؟ فيجيب جوابا عاما ويقول : كل شيء ، بينما لو سألناه بطريقة أخري مثل : أذكر لي ثلاث صفات تعجبك بوالدك ففي هذه الحالة سيتحدث بتفاصيل مهمة ، فصيغة السؤال هي التي تجعل من أمامنا يتحدث أو يصمت ، فكلما كان السؤال محددا كلما ساعدنا من أمامنا أن يتكلم بتفصيل ويخرج ما في نفسه ، كما أن السؤال أداة مهمة لجذب الانتباه وخاصة قبل تقديم المعلومة ، فالمتلقي يركز أكثر عندما يبدأ الكلام معه بسؤال ، لأن السؤال يشد الإنتباه ويحفز العقل
ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم ينوع في طريقة طرح الأسئلة حتي يشد الانتباه ، ومن أمثلة ذلك قوله ( يا معاذ أتدري ما حق الله علي عباده ؟ وما حق العباد علي الله ؟ ) فيلفت نظر معاذ بمثل هذه الصيغة من السؤال ، أو قوله عليه السلام (ألا أنبأكم بأكبر الكبائر ؟ ) فيزيد من تركيز الصحابة ثم يجيبهم علي هذا السؤال ، أو قوله (هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ ) أو (ألا أخبركم بخياركم ؟) وهكذا ، فإن هذه الأحاديث النبوية لها تكملة ولكني اخترت بداية كل حديث حتي أبين كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم استخدم علامة الاستفهام لشد الانتباه ولفت النظر ، وقد استخدم نفس الأسلوب مع الطفل الصغير (أبا عمير) عندما مات عصفوره وكان حزينا جالسا لوحده فطرح عليه النبي سؤالا ليخرج ما نفسه من مشاعر الحزن ، فقال (يا أبا عمير ما فعل النغير ؟)
بل جعل الله السؤال وسيلة التعلم فقال (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) ، ولهذا تفيد الدراسات والأبحاث أن معدل متوسط أسئلة الطفل من عمر ثلاث إلي خمس سنوات بحدود (300) سؤال باليوم ، وهذا الكم الكبير من الأسئلة يدفع الوالدين للتعلم والإهتمام بتنمية معارفهم ليستطيعوا الإجابة علي الأسئلة الكثيرة ، لأن الطفل في هذه المرحلة يكثر من قول (لماذا) لأنه يريد أن يكتشف الحياة ، ولهذا فإن بعض الآباء يرتكبون مع أطفالهم جريمتين في حق السؤال ، الجريمة الأولى هي اسكات الطفل عندما يكثر من الأسئلة ، والثانية عدم الإجابة علي أسئلته
والصواب أنه ينبغي أن نعطي مكافأة لمن أحسن السؤال أو حتي الجواب ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكافأ من أحسن الجواب علي سؤاله ويتضح ذلك في قصة الرجل الذي دخل المسجد مسرعا ليلحق بالصلاة ولما وقف بالصف قال : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، فلما قضى النبي عليه السلام قال : من المتكلم ؟ فسكت القوم ، فقال مثلها ، فقال : من هو ؟ فإنه لم يقل بأسا ، أو قال خيرا ، قال الرجل : جئت يا رسول الله ، فأسرعت المشي فانتهيت إلى الصف وقد انبهرت أو حفزني النفس فقلت الذي قلت ، فقال : ” لقد رأيت اثني عشر ملكا يبتدرونها أيهم يرفعها إليه ، ثم قال : إذا جاء أحدكم إلى الصلاة فليمش على هينته ، فليصل ما أدرك وليقض ما سبقه ” ، فما كان هذا الصحابي يتوقع أن النبي يحاوره بهدوء علي خطأه وأنه كذلك يكافأه علي جوابه ، فالسؤال والجواب مهارة نتعلمها ولهذا لما سئل ابن عباس رضي الله عنه عن علمه من أين تعلمه قال من (لسان سؤل وقلب عقول)