تحقيقات وتقارير

داخل أم سردبة والمشتركة والعتمور والحمرا

الخطوط الأمامية: معتز محجوب –
-« لم ندخل للجيش من أجل الماهية وجينا مارقين لي الله وجاهزين لأي واجب….» … بتلك الكلمات خاطب قائد منطقة الحمرا العسكرية المقدم ركن معاوية بكل قوة وثبات وعزة، جنوده ومسؤولين بارزين وقادة عسكريين أثناء زيارتهم قبل أيام لمنطقته، وهي على الخطوط الأمامية للقتال بجنوب كردفان، ولعل ما قاله لنا المقدم ركن معاوية سبق وأن سمعناه من قادة مناطق أخرى على الجبهة القتالية مثل العقيد ركن حافظ النور زكريا قائد منطقة «قنيزيعة»، ومن العقيد ركن بابكر قائد منطقة العتمور، ومن قائد القوات بأم سردبة والمشتركة. ولعل القاسم المشترك بين هؤلاء الضباط هو الكم الهائل من الحب الذي يتبادلونه مع جنودهم، وهذا ما رأيته بأم عيني عندما يتحدثون بكل فخر عن هؤلاء القادة الموجودين معهم في ميدان القتال وفي الصفوف الأمامية، وعلى الرغم من ان القيادة العسكرية الحديثة تعتمد على ان يقوم القائد بالتوجيه من مكان آمن إلا ان هؤلاء القادة ــ والشهادة هنا لجنودهم، كانوا أول من ينطلق ويقاتل ويهاجم في الصفوف الأمامية عند بدء أي هجوم ضد أوعلى.. فهنيئاً لبلد يحرسها أمثال هؤلاء الشرفاء.
«1»
كانت التعليمات لنا في اليوم الثالث لوصولنا بالتوجه لمنطقتي «العتمور والحمرا» في الخطوط الأمامية لمعرفة أوضاع القوات هناك للإسناد المعنوي، وأصر منسق الدفاع الشعبي بجنوب كردفان هشام الخير والقائد العسكري لقوات الدفاع الشعبي بالولاية المقدم ياسر ضي النور، على مرافقتنا لتلك الزيارة بالإضافة لمنسق الإعلام والتوجيه بالدفاع الشعبي الشريف أحمد والمدير التنفيذي لمكتب المنسق عبد الصمد خميس. انطلقت القوة هذه المرة عند العاشرة صباحاً شرقاً عن كادقلي، ومررنا في طريقنا بمنطقة الحمرا العسكرية إلا أن خط الرحلة كان أن نصل للعتمور أولاً ومن ثم الرجوع لاحقاً للحمرا، ووصلنا للمحطة الأولى من الزيارة «العتمور» عند الساعة الحادية عشرة والنصف صباحاً، واستقبلنا الجنود عند مدخل المعسكر وهم في اتم الاستعداد، ويبدو أن حالة التأهب القصوى ملازمة لجميع القوات الموجودة بالولاية ككل، باعتبار أن الولاية في حالة حرب.
«2»
وتعتبر منطقة العتمور من أكبر المحطات العسكرية في جنوب كردفان كما يقول قائد المنطقة العقيد ركن بابكر، وهي من المحطات التي تم تلقين المتمردين فيها درساً لا ينسى، وكانت تستخدم كمنصة للعدو لاستباحة ولإطلاق صواريخ الكاتيوشا على حاضرة الولاية كادقلي من المنطقة الشرقية، ويكشف العقيد عن محاولة يائسة لاحتلال المنطقة من قبل متمردي الحركة الشعبية. ويقول مفتخراً بجنوده وضباطه «جو الجماعة عاوزين يفتشونا إلا أنهم عرفوا حاجة». ويشير إلى أنهم وسعوا من دائرة تأمينهم للعتمور بإضافة عدد من الجبال المحيطة بالمنطقة لنطاقهم، ويكشف عن مساعدة قواته في تحرير منطقة أم سردبة والمشتركة، وبدا العقيد بابكر واثقاً وهو يردد أن يده «مليانة» من رجاله، ويوضح أن القوات تقوم بتمشيط وتنظيف كل المناطق المحيطة، وقال وهو واثقاً من حديثه وسط هتافات جنوده المجلجلة «كاودا جوا»، قال ويمكن أن نزيد في المناطق ونصل لكاودا إذا تلقينا التعليمات بالتوجه اليها، مؤكداً أن المعنويات في السماء، ويؤكد العقيد أن المواطنين سيعودون للجبال الشرقية، وتعهد بتوفير كل الخدمات لهم بمساعدة حكومة الولاية. وأكد للجميع أن قواته جاهزة لاية مهمة تطلب منها، وتابع «من ناحية العتمور أرقدوا قفا».
«3»
ويبدو أن حماس الجيش قد انتقل لمنسق الدفاع الشعبي هشام الخير، وهو يؤكد للجميع ان الصيف سيكون حاسماً على الخوارج، ويوضح ان السلام سيكون سلام منعة وقوة، ويقطع ان مجاهديه جاهزون لأية مهمة توكل إليهم، ويشير إلى أنهم في الدفاع الشعبي، تعلموا الكثير من المعاني. ويوضح أنهم يجيدون استخدام كل أنواع الأسلحة بفضل القوات المسلحة، ويبين هشام أن القوات المسلحة والدفاع الشعبي، لن يقبلوا أن يكون هناك جيشان في البلاد على حسب ما طلب متمردو قطاع الشمال شرطاً للسلام، ويقول بكل ثبات وقوة «لن ننكسر ولن نلين».
«4»
ويبدو أن قوات المتمردين تصر أن تؤكد ان حربها في جبال النوبة حرب ذات أهداف ضد الإسلام، ففي تجوالي في منطقة العتمور راعني مشهد جمد الدماء في عروقي من الغضب، وهو مشهد دمار وخراب مسجد العتمور بدانات وصواريخ التمرد، وتمنيت أن تقوم اية جهة حكومية أو مدنية بتأهيله وإعادة صيانته لأجل الإسلام ولأجل ألا تتحول الحرب في الولاية لحرب دينية تستهدف المساجد، فالحزب الحاكم والحكومة لا يمتلكان المساجد وإنما المساجد لله. وأشك ان يكون لمتمرد قضية ويقوم بتدمير وتخريب مسجد.
«5»
في ختام زيارتنا لمنطقة العتمور، اقترب مني منسق الدفاع الشعبي هشام الخير بابتسامته التي لا تفارقه في أحلك الظروف، وهمس في أذني ان الموكب سيتوجه إلى منطقة أم سردبة والمشتركة، ونقل لي أنهم يعفونني من مرافقتهم، وطلب مني ان انتظرهم في العتمور لحين عودتهم أنا والوفد الفني المكون من المنشد وعازف الأورغن وفني الساوند سيستم، وأكد لي أنهم يتوجهون الى منطقة خطرة جداً وذات نشاط عسكري مكثف من قوات التمرد باعتبارها من المناطق العزيزة جداً عليهم والتي فقدوها خلال عمليات الصيف الحاسم هذا العام، وتعتبر من أكبر القواعد العسكرية على الجبال الشرقية لقوات الحركة الشعبية، وتعتبر بوابة متقدمة لكاودا وعندها تحطمت مزاعم أسطورة قواتهم التي أكدوا من خلالها ان قواتهم لن تنهزم على الإطلاق بأم سردبة، إلا أنهم لُقنوا درساً لا أعتقد أنه سينمحي قريباً من ذاكرتهم، وفيما حاول هشام إثنائي عن مرافقتهم، إلا أنني تمسكت بالمضي معهم والتقدم الى أم سردبة، وأبلغته أنني عندما وافقت على المهمة هذه، كنت أعرف أنني متوجه إلى الخطوط الأمامية للعمليات، وأنني موقن أنه لن يصيبني إلا ما كتبه الله لي، فربت على كتفي وقال لي على بركة الله. وانطلق الموكب بعد أن تم إنقاصه عربة، وأعطيت تعليمات لسائقي العربات بالتوجه في الطريق غير المعبد والذي يبلغ طوله 3 كيلو مترات حتى أم سردبة، وأن يتحركوا بأقصى ما يستطيعون من سرعة، وألا يتوقفوا على الإطلاق حتى ولو تم الهجوم عليهم بواسطة المتمردين، بينما تم تزويدهم بموجه آخر وهو أن تسير أية عربة في «حافر» العربة التي تسبقها مباشرة دون ان تحيد عنه لوجود تخوف من أن يكون الطريق مزروعاً بالألغام، وتوجهت العربات بسرعة عالية جداً في طريق شديد الوعورة، لكن الواضح ان الجيش كان يقوم بتأمين كل الطريق بشكل جيد جداً، لوجود انتشار كثيف للقوات المسلحة تسليحاً جيداً على طول الطريق، وبوصولنا إلى موقع المشتركة بأم سردبة، علمنا أن القوات الباسلة كانت قد تصدت قبل يومين لهجوم عنيف من قوات الخوارج، وتمكنت من صده مكبدة القوات هزيمة ساحقة وبان أثرها من حرائق قرب المعسكر، ووجدنا القوة في معنويات عالية، ويبدو أنهم خبروا العدو جيداً، وعلموا انه أصبح لا يقدر على مواجهتهم إلا أنهم كانوا على أتم الاستعداد لكل الاحتمالات، وفوجئ قائد المنطقة العسكرية بوجودي وسط الوفد الزائر، وقال موجهاً حديثاً مازحاً لي: ألا تخاف؟ فرددت عليه بذات طريقته، بأني لو كنت أخاف لما قدمت إلى المنطقة، ولعل اللافت في الأمر على الرغم من حالة الحرب التي تعيشها المنطقة والهجمات المتوقعة على المنطقة في اية لحظة إلا ان الجميع وللاحترافية القتالية أصبح استعدادهم داخلياً للقتال باعتبار التعود، فالجميع قرب سلاحه، وسلاحه في حالة تأهب للإطلاق سواء دباباتهم أو مدافعهم أو دوشكاتهم.
«6»
حسناً… لفت انتباهي أمر آخر طريف بقلب الصندوق أو المعسكر القتالي، وهو وجود متجر لبيع السجائر والصعوط والإسكراتشات ومختلف الاحتياجات التي يحتاجها المقاتل، وكدليل آخر لاحترافية القوات، فقد كانت الأسلحة بقربها، وجزء آخر يروح عن نفسه بلعب الكتشينة، للترويح عن النفس في تلك الأصقاع التي لا يوجد فيها شيء من مباهج الدنيا، وعجبت سيدي القارئ ــ أعزك الله ــ لحال هؤلاء الشجعان الذين تركوا كل مباهج الدنيا وراء ظهورهم وهو يتوقعون الموت في اية لحظة، ونحن ننعم بالمباهج في العاصمة ومع ذلك نتذمر. فسبحان الله.
«7»
ومن هناك عاد الوفد لمنطقة معسكر الحمرا والتي تعيش أوضاعاً أكثر استقراراً مقارنة بأم سردبة والمشتركة. ويوضح قائد منطقة الحمرا المقدم ركن معاوية، أن قواته على اتم الاستعداد لأي طارئ. وأكد ان التمرد لن يأتي من منطقتهم على الإطلاق. وزاد بأنهم جاهزون للتقدم للأمام. بالمقابل يقطع القائد العسكري لقوات الدفاع الشعبي المقدم ياسر ضي النور، بالقول «إن القوات المسلحة شوكة حوت لا بتتبلع لا بتفوت»، ويوضح ان الدفاع الشعبي يعتبر السند الحقيقي للجيش ، ويقول ان التمرد سينتهي في الولاية قريباً وسيتم إعلانها خالية من التمرد، كما تم إعلانه قبل أيام في دارفور.
«8»
ولعل الأمور لا تسير في طبيعتها دوماً كما ينبغي، ولعل ضعاف النفوس الموجودين في اي مكان، يوجد البعض منهم في جنوب كردفان عبر ظاهرة ما يعرف بالطابور الخامس و«السمباكة» والأخيرة ــ هذه أعزك الله أيها القارئ ــ «السمباكة» هم أشخاص تربطهم مصالح متعددة مع المتمردين والخوارج، وربما بسبب خوفهم على حياتهم أو هكذا يبررون أفعالهم ويقومون بتهريب مختلف السلع للخوارج من سجائر ووقود وسكر ودقيق، عبر دروب وعرة ويستخدمون في تحركاتهم الدراجات البخارية أو أرجلهم بسبب وجودهم في مناطقهم، وتتمكن السلطات في الكثير من المرات من القبض عليهم، إلا ان السعي للربح السريع والجشع والطمع هو المحرك الرئيس لهم.
في الحلقة القادمة:
> أسطورة قوات «قوام قوام»…
> ماذا قال قائد التمرد «أندراوس» إنه سيفعله إذا ما دخلت قوات الدعم السريع منطقة «الكركراية»؟؟؟
> «…..» هذا هو ما قاله قائد قوات الدعم السريع لـ«الإنتباهة» ..!!
> لماذا تطالب قيادة التمرد قواتها بإخلاء مواقعها إذا هاجمتها قوات الدعم السريع؟

الانتباهة