رأي ومقالات

(حردان) الأطباء

شرود :سوسن نايل

جاء في الأخبار أن رئيس لجنة الصحة بالإنابة بالبرلمان صالح جمعة أقر بوجود نقص في الكوادر الطبية بسبب هجرة الأطباء.. وقال إن الهجرة تسببت في هدم الإقتصاد، وجاء هذا الإقرار مؤخراً إعمالاً بمبدأ كأن تأتي أخيراً خيراً من أن لا تأتي، هجر البلاد كثيراً من ذوي الخبرات والكوادر المؤهلة أكاديمياً في شتى المجالات والتخصصات كالتعليم، والمحاسبة والمهندسين حتى أصحاب الحرف الصغيرة والحرفيين هجروا بلدهم متباكين على ترابه العزيز ونيله الحبيب، تاركين وراءهم شخوص يسكنهم الأمل المشرق بصلاح حالهم اجتماعياً ومادياً، هاربين من البؤس والفقر الذين شربوا من كأسه خمر العنقاء مرارة،
إلا أننا نجد أن قبيلة الأطباء هم الأكثر كماً ونوعاً في الهجرة بمختلف التخصصات، فقد بلغت نسبة هجرتهم (57) في المائة بمعدل شهري، وهي لعمري نسبة مخيفة ستفقدنا أهم ركيزة للاستقرار الصحي في المجتمع، الذي بات كل يوم على ظهور مرض نادر وغريب تبشرنا به الصحف بين الفينة والأخرى، والدولة للأسف ساهمت بصوره أو بأخرى في (حردان الأطباء)على طريقة (حرد أم العروس) التي أن (حردت) بطل هنالك العرس، وتقوم الدنيا ولا تقعد حتى ترضى بشتى الطرق والمحفزات من نوعية الدهب وزيادة عدد الشيلة…. الخ لإكمال العرس.
أما الأطباء فحردانهم كان هجرة طوعية الى حيث المال والدلال، مرتباتهم التي تصير فلكية مقارنة مع ما يتقاضونه هنا، إذ أنها لا تتناسب والسرعة الجنونية في زيادة الأسعار، بجانب الالتزامات اليومية للسلع الضرورية، والمدارس، والمواصلات، وسيد اللبن، والخضار واللحوم، الخ….
والدولة قبلت بوجهها في الاتجاه المعاكس للطبيب، الذي يمثل ركيزة هذا المجتمع حاملاً ضمن صفاته المهنية التضاد للألم.
أخيراً قررت وزارة الصحة دفع أجر إضافي نحو (25)الف جنيه شهرياً على ذمة- المجهر السياسي- يدفع للأطباء المتخصصين في المناطق والولايات الطرفية المتمثلة في دار فور، وجنوب كردفان، والنيل إلازرق، وهذا يدل على أن وزارتنا الكريمة جداً فكرت في إنسان هذه الولايات الذي سجل موت مواطنيه أرقاماً كبيرة، بسبب التشخيص الخاطئ، وعدم وجود الأدوية وتردي البيئة الصحية بجانب عدم وجود الاختصاصي لكافة التخصصات الطبية.
المريض في بلادي صار يعاني الأمرين من تشخيص خاطئ، يقوده في نهاية الأمر الى تحرير شهادة وفاة مبكرة نتيجة تعاطيه عقاقير منافية لمرضه، لتظهر عليه مضاعفات أشد خطورة مما كان يشعر به، وإنفاق كل ما لديه من مال للتشافي وليته يشفى، يحدوه الأمل في العافية التي لن يرومها إلا بسفره أو استسلامه واتجاهه للطب البديل، الذي ارعبنا التلاعب به أيضاً من ذوي عدم الخبرة.
مما يساهم بصورة فاعلة في تهدم الاقتصاد، وصرف الدولة مبالغ طائلة على أمراض (نتيجة التشخيص الخاطئ)،
هاجر أطباؤنا وصفقت لهم الدولة بإيداع كل مطالبهم في ملف (للنسيان) مختوم بختم لا يمكن الرجوع إليه.
سوسنة
يا وطن أنا كنت قايلك تبت من تعب السفر.
ومن مخاواة القماري ومن شراب موية المطر

آخر لحظة