النفي بالمحاسبة ..!!
:: ومن أروع المشاهد المسرحية .. سرحان عبد البصير، في مسرحية ( شاهد ما شافش حاجة)، ترهقه أسئلة المحكمة لحد التوهان والعجز عن إستيعاب أسئلة القاضي والمحامي .. ويتدخل أحد المنتظرين لجلسته ويشرح لسرحان معنى بعض أسئلة القاضي، ويزجره القاضي لهذا التدخل غير القانوني ويهدده بالحبس في حال التكرار ويأمره بالعودة إلى مقعده.. وقبل أن يعود المتطفل إلى مقاعد المنتظرين، يمسك سرحان بيده ثم يسأل القاضي حائراً : ( هو البيه مش معاكو ؟)، فيرد القاضي بالنفي، ليلطمه سرحان صائحاً : ( أنا ناقص يا أخويا؟) ..!!
:: وهكذا تقريباً لسان حال طلاب جامعة الخرطوم مع الحكومة وبعض (سادتها) و (إعلامها)..نعم، وسائل الإعلام الرسمية – وليست صحف المعارضة – هي التي نشرت وبثت خبر نقل بعض كليات جامعة الخرطوم إلى سوبا تمهيداً لنقل كل الجامعة.. ثم وسائل الإعلام الرسمية – فضائية كانت أو وكالة سونا- لم تنشر وتبث الخبر نقلاً عن لقاء قيادات معارضة بكمبالا ولا عن ملتقى قادة الحركات المسلحة بجوبا، بل نشرت الخبر وبثته فضائياً نقلاً عن لقاء نائب رئيس الجمهورية مع إدارة الجامعة في قلب الخرطوم ..وهنا يصبح السؤال : ( هو النائب والإدارة والتلفزيون وسونا مش معاكو؟)..(معاكو طبعاً)، ولهذا أصبح غضب الطلاب وتوجسهم على مصير جامعتهم مشروعاً..!!
:: ثم بعد نفي إدارة الجامعة لخبر نقل وتجفيف الجامعة، خرج وزير السياحة نافياً (نفي الإدارة)، ثم أكد بأن هناك قرار صادر عن مجلس الوزراء بنقل الجامعة إلى سوبا وغيرها، وتحويل المباني إلى (مزارات )، ثم مضى أبعد من ذلك قائلاً ( مباني الجامعة تحت سلطة وزارة السياحة)..وهنا أيضاً كان غضب الطلاب مشروعاً..نعم ( هو البيه الوزير مُش معاكو؟)، فلماذا لا يكون غضبهم مشروعاً ( طالما معاكو).. ثم طوال فترة الأسبوع، ورغم التظاهر وتعطيل الدراسة، لم تخرج وزارة التعليم العالي في مواجهة وزارة السياحة، بل إلتزمت الصمت .. ولأن السكوت – في مواقف كهذه – من علامات الرضا على حديث وزارة السياحة، كان غضب الطلاب مشروعاً..!!
:: وعليه، بما أن الذين تسببوا في أحداث جامعة الخرطوم هم بعض الذين نصفهم بالمسؤولين، فليس من العدل – ولا المنطق – أن يكتفي مجلس الوزراء بنفي خبر نقل وتجفيف الجامعة.. مع النفي كان يجب محاسبة الذين تسببوا في أحداث الجامعة، وهم من نصفهم بالمسؤولين الذين نشروا وتحدثوا، وما وزير الساحة إلا أحدهم، وليس ( كلهم).. أي لاتصبوا جام غضبكم على وزير السياحة بإعتباره ( الحيطة القصيرة)، إذ هناك آخرين سبقوه بالتصريح و (التلميح)، و ما كان الخبر السابق لتصريح وزير السياحة إلا ( مخرجات لقاء)..وإن كانت هناك ثمة محاسبة أو مساءلة فيجب أن تبدأ بسادة اللقاءأو من نقل عنهم (ما لم يتحدثوا به) ، ثم تنتهي بوزير السياحة.. فالمحاسبة هي (النفي المؤكد) ..وبلا محاسبة الذين تسببوا في تعطيل الدراسة و عرضوا حياة الطلاب إلى مخاطر التظاهرة وغازها وعسسها، يصبح نفي مجلس الوزراء بلا لون ولا طعم ولا رائحة، أي نفي بذات وزن (نفي إدارة الجامعة)..!!