خميس “الجميلة ومستحيلة” في نهاية الأسبوع يتداخل مشهد الجامعة: الحكومة تنفي.. الخريجون يبحثون عن موطيء قدم للتأثير.. الطلاب في حالة احتجاج والمعارضة تنتظر
عقب انتهاء اجتماعه الدوري أمس ينفي مجلس الوزراء أي اتجاه لبيع أو نقل مباني جامعة الخرطوم من موقعها الحالي، وبحسب المجلس، فإنه لا يوجد أي قرار بخصوص نقل الجامعة من موقعها الحالي أو التصرف في منشآتها. وبلسان الناطق الرسمي باسم مجلس الوزراء، عمر محمد صالح، فإن نقل الجامعة من مكانها أو التصرف فيها لم يكن موضوعاً لمداولات المجلس في أي وقت. بيان مجلس الوزراء الذي أغلق باب نهار الأمس لم يكن الأخير في مسلسل تبدو حلقاته ممتدة .
في الضفة الأخرى من النيل كانت الطالبة بجامعة الخرطوم وفاق قرشي وفي دار حزب الأمة، تخاطب المؤتمر الصحفي المحضور من قبل عدد كبير من خريجي الجامعة وفي حقب مختلفة. وفاق أكدت على موقفهم الرافض كطلاب لنقل الجامعة أو بيعها مهما كلفهم هذا الأمر وأنهم في سبيل ذلك كونوا لجاناً في الكليات من أجل مواصلة جهودهم لتحقيق أهداف وقف بيع الجامعة أو التصرف فيها وإرجاع أراضي الجامعة التي تم التصرف فيها. وبدت وفاق واثقة من أنها تتحدث بلسان كل طلاب الجامعة حين قالت: “كل المؤسسات الحكومية ليست أكثر حرصاً على الجامعة من طلابها”.
كانت وفاق ممثلة لطلاب الجامعة في المؤتمر الصحفي الذي عقدته اللجنة التمهيدية لمؤتمر خريجي جامعة الخرطوم الذي ابتدرته المنصة بحديثها بأنه لا توجد أي صيغة سياسية في تحريك هذا الملف، وإنما الهدف الرئيس المتفق عليه هو ضرورة الحفاظ علي جامعة الخرطوم باعتبارها إرثاً لكل السودانيين ومنارة يجب أن تظل مضيئة للاضطلاع بدورها. من جلسوا في المنصة كانوا من أجيال مختلفة بيد أنهم اتفقوا على ألا تكون قضية الجامعة هي قضية نخبة، بل يجب أن تكون موضع اهتمام كل البلد.
حسناً؛ في تاريخ يتزامن مع توقيت قريب من أبريل الانتفاضة التي خرجت من جامعة الخرطوم جلس ساطع الحاج وإبراهيم الشيخ وعمر الدقير وآخرون في الصفوف الأمامية أمس، لكن ثمة ملاحظة تبدو صادمة؛ الجامعة التي كانت تشتري للوطن حريته يجمع بين بنيها الآن مشروع ما أسموه مقاومة بيعها، وهو ما أتى بالجميع إلى دار الأمة ليرفعوا صوت رفضهم لما تنوي بعض الجهات القيام به. في المنصة جلس عمر عشاري خريج القانون ليقول بأن القضية يجب أن تخرج من إطارها الضيق إلى إطار أكثر اتساعاً وأن تقرأ في إطار القضايا المتشابكة. عمر بدا مثل البعض غير مقتنع بردود النفي من قبل المؤسسات الرسمية معتبراً أن التجربة تقول بعكس ذلك وأن مشروع التفكيك حسب ما يقول يدخل الآن آخر مراحله. عشاري يؤكد أن الملمح البارز في المشهد هو ملمح الغموض وأن تعدد الألسنة نفسه لا يبشر بخير فقد نفت الحكومة اتجاهها لهيكلة الكثير من المؤسسات وكانت النتيجة “أن وجدنا أنفسنا وجه لوجه مع الخراب”، كما يصف.
ويبدو الحديث عن الغموض ماثلاً في تتبع مشهد الجامعة في أسبوع؛ فبعد خبر في تلفزيون السودان عقب اجتماع بين مدير الجامعة ونائب رئيس الجمهورية، انفجرت الأوضاع.. مدير الجامعة حاول إطفاءها بنفي صحة الخبر والوقوف في محطة أن النقل يختص بكلية الطب وهو مشروع بدأ من السبعينيات لكن حوار وزير السياحة يعيد الأمور إلى مربع الانفجار من جديد؛ حيث أن الأخير يقول إن المباني ستتحول إلى مزارات سياحية، فينبري المدير للرد في بيان آخر ينفي فيه هذا الأمر ويقول إن جهات حاولت الاصطياد في الماء العكر، ليعود وزير السياحة بالقول إن قرار النقل هو قرار مجلس وزراء وليست قراراً خاصاً بوزارته. وينفي مجلس الوزراء أمس وجود هذا الاتجاه وهو النفي الذي يفرغ أمر المقاومة من مشروعيته فالمجتمعون يستهدفون عدم السماح ببيع الجامعة ولا أحد يفكر في بيعها بحسب بيان الأمس.
لكن في ذات المؤتمر الصحفي الذي تبارى فيه أولاد وبنات الجامعة في تعديد مزاياها، ثمة من يغير مسار الحديث نحو اتجاه إعادتها سيرتها الأولى، فيقولون إن المعركة لم تبدأ الآن، ويدفعون بقائمة من المؤسسات التي تم التخلص منها قبل أن يقفوا في محطة تناقص ممتلكات الجامعة نفسها؛ من داخليات ومن أراض ومزارع وغيرها. ويتساءل البعض حول جدوى نقل كليات الطب الي مجمع سوبا، ويسخرون من وجود مستشفىً للتدريب، حين يقرأ الأمر باتساق مع تفكيك مستشفي الخرطوم الذي يفصله عن الكلية شارع القصر..!!
وتؤكد اللجنة التمهيدية لخريجي الخرطوم في سعيها الحثيث من أجل تحقيق هدف الحفاظ على الجامعة باعتبارها أحد أركان التاريخ السوداني التي لم يبنها كتشنر، فقد بنيت فوق دماء السودانيين، وبعرق المزارعين في مشروع الجزيرة لتحقيق ذلك الهدف، ومن ثم فقد تم تكوين لجان للاتصال الخارجي، ولجنة قانونية، ولجنة إعلام، وذلك بغية مقاومة قرار نقل الجامعة وبيعها، وهو قرار يتطلب إنجازه بالتعاون مع الأسرة الجامعية كلها، وعلى رأس هؤلاء طلاب الجامعة ومجلس أساتذتها. وتضيف أنهم أجروا اتصالات مع اليونسكو من أجل ضرورة التدخل لحماية مباني الجامعة من أي تصرف فيها باعتبارها مبانٍ أثرية وأكدوا أيضاً على أن بعض أعضاء اللجنة التمهيدية سيلتقون المبعوث الخاص بحقوق الإنسان عند زيارته للبلاد وإخطاره بالتطورات في الأمر خصوصاً فيما يتعلق بتعاطي الأجهزة الأمنية مع احتجاجات الطلاب.
تواصل المنبر الخطابي في دار الأمة ولم ينته بعد جدل ما يمكن أن يحدث في مسرح السنتر؛ هل سيبقي أم أنه سيتحول الي أثر بعد عين؟ تنفي الحكومة من جانبها أي اتجاه للتصرف في مباني الجامعة أو نقل طلابها. المدير خارج البلاد حالياً في رحلة تتعلق بأنشطة الجامعة وإن كان يتابع ما يحدث هنا.
في نهاية الأسبوع يبدو مشهد الجامعة هكذا؛ الحكومة تنفي أي اتجاه للتخلص منها بالبيع أو النقل إلى مكان آخر، الخريجون يتخلصون من الغياب السابق ويبحثون لهم عن موطيء قدم للتأثير. الطلاب في الكليات المتعددة يتمسكون بحقهم في الاحتجاج.. الإدارة تكتفي بما تنزل من بيانات.. والمعارضة تنتظر..!
اليوم التالي
لن يهدأ بال للسلطة الحاكمة إلا بتدمير جامعة الخرطوم . عندما رفض بروفيسور مدثر التنقاري بفصل عدد من الأساتذة تنفيذا لأوامر السلطة، أذكر اني سمعت أحد الذين ينتمون إلى حزب الحكومة الحالية ومن قادة الكتائب وقتذاك وهو يقول “جامعة الخرطوم بؤرة استعمار لا بد أن تدمر”. اعتقد أن التدمير في مراحله الأخيرة مرحلة التخلص من المباني. ولكن أعتقد أن إتخاذ هذا القرار سيعجل برحيل النظام مهما كلف من أرواح وسجون وقهر.
المعارضة ما صدقت وجدت سبب تحارب به الحكومة . الجامعة كما اكدت الحكومة ليست للبيع فلتبحث المعارضة عن شماعة احرى