هاشم كرار : تلك الشجرة !
«الشجرة تنمو ببساطة. جدك عاش وسيموت ببساطة» مابين الهلالين، لمصطفى سعيد- الشخصية المحورية في رواية الطيب صالح موسم الهجرة إلى الشمال- وهو يختزل بهذه الجملة عصارة تجربته في الحياة، للراوي- بطل الرواية- قبل أن يلقي عليه زبدة الكلام: «البساطة هي كل أملنا في الخلاص»!
الاسئلة كبرى، في هذا الوجود.. والإجابات لا تفضي إلا إلى المزيد من الأسئلة الحارة، ولا أمل في الخلاص، من وطأة الأسئلة والإجابات الأسئلة.. ولا أمل في الخلاص من كل هذا التعقيد الذي يربك الحياة ويربك العيش، إلا بالعودة إلى الفطرة الأولى.. وفي الفطرة الأولى كل صفاء النشأة الأولى: البساطة!
»هذه ليست الحياة التي كنت أحلم بها»!
الجملة لإمبراطور المال، بيل غيتس، وهو يتفرس- ما استطاع- في كنه السعادة، تلك التي لا يمكن إطلاقا أن تشترى.. لا يمكن إطلاقا أن يشتريها بإمبراطوريته المالية، بل بكل إمبراطوريات المال، في الدنيا!
«أنا بائس.. إنني حزين» هذا مالم يقله الإمبراطور غيتس، صراحة. قال مايشي بكل ذلك، وأكثر.. قال «إنني أبحث عن السعادة!»!
بيل غيتس لو كان قد نظر إلى الشجرة- واحدة من الأشجار في حديقة بيته- لما كان قد قال ماقال، ولما كان هو الآن، في نعيم كل ذلك المال، يشقى.. لو كان قد ألقى النظر، بالعين الثالثة، لكان قد رأى» الشجرة تنمو ببساطة» تلقي الظل ببساطة، وأن كانت مما يثمر تلقي الثمرات ببساطة.. ولكان قد تفطن إلى ان الشجرة حين تموت، تموت مثل جد الراوي، في موسم الهجرة إلى الشمال، بكل بساطة!
أين بيل غيتس، من «موسم الهجرة إلى الشمال»؟
أنى له، من تلك الشجرة.. من ذلك الجد.. من تلك الجملة الزبدة، والمال حجاب.. والمال حين يتسع يضيق مواسم الهجرة، ويُضّيق النظرة، ويُضّيق الفكرة، ويُضّيق عبارة «البساطة هي كل أملنا في الخلاص» برغم رحابتها.. ورغم اتساعها، ورغم تجليها في الرواية التي هي واحدة من روايات القرن.. وبرغم تجلياتها في الحياة!