عماد العالم : سجادة ومسبحة
أتمنى أن تتسع صدور معشر النساء لنا، وألا تحمِّل ما كتبت أكثر مما يستحق، وفي المقابل أن يأخذنه من باب النصيحة الحسنة، فعلى الرغم من أني لا أدعي المُزاح سبباً لكتابته، فإنه وللأمانة لا يشمل الجميع بالطبع، وإن كان يُمثل شريحة واسعة الانتشار منهن، لطالما استرعت تصرفاتهن انتباهي، ورغبت يوما أن أكتب عنهن، للدقة، فما دعاني للكتابة هو الرغبة في فهم مفهوم التدين عند الأنثى، والتطرق لتصرفات وأفعال شائعة عنها في مجتمعاتنا العربية وباختصار، لا أعمم الصورة ولكن عند فئةٍ معينةٍ منهن، دأب أخي الأكبر على وصفهن به اختصارا للأمر، وهو قوله عنهن “سجادة ومسبحة”، أي أقبلي أيتها الأنثى على الالتزام بالصلاة والتسبيح، وما عدا ذلك فخذي راحتك وكوني على سجيتك، فستقوم الأوليان بالتكفير عنهما!
الأحاديث في هذا الشأن تشكل فاكهة تندر الرجال، وفي جلساتهم ستستمع إلى قصص وحكايات لا نهاية لها، بعضها يملأ الأجواء بالضحك والقهقهة، والأخرى تشعل الكيان غضباً ورغبة في الانتقام، الذي تغذيه المخيلة، وتصور لصاحبها كيف سيتصرف إن تعرض للموقف نفسه، فيما تبدأ بالارتسام على شفاهه نظرة الظافر بنصره، التي قد لا تكون في الواقع ما سيحدث معه إن تعرض بالفعل لذات الموقف، ولكن هو خيالنا الجامح معشر الذكور، هو من سيصور لنا أننا لا نُقهر، فيما العديد منا وخلف الأضواء مكسورو الجناح نادبو حظوظهم!
إحدى النسوة وفي مثال شائع، دائما ما تردد على مسامع حاضريها القول والترغيب الدائم لهم وحظهم للاستمتاع بلذة السجود؛ وفي المقابل أفعالها تتنافى وصفاء السجود، الذي يستقي روحانيته من قدسية الصلاة، التي إن أداها المسلم والمسلمة وفق المفروض، فستنهاه عن الفحشاء والمنكر، وتزين له عمل الخير وتنير طريقه للصواب والحق، لكن ما عُرف عن “الست إياها” يتنافى في ما نراه مع التقوى، فهي مثلاً تظلم وتقذف وتعاير وتُفسِّد وتُحرِّض، لكنها وللحق لا ترضى أن تُنهي يومها أبداً دون صلاة القيام، التي تقرأ فيها ما تيسر من القرآن، وتطيل الدعاء في السجود والركوع، لتخلد بعد ذلك لتنام قريرة العين، وهي التي كما ترى نفسها، امرأة صالحة تقية تخاف الله، وتحرص على أداء العبادات، لكنها لم تضع في اعتبارها قدسية وأهمية حقوق العباد عند الله، الذي أمرنا رسوله الكريم بالمعاملة الحسنة وقرنها بالدين، هي “مجدداً” وفي نهارها قد أمضت ساعتين في الغيبة والنميمة، ومثلهما في تحريض ابنها مثلا على زوجته، وتلقينه كيف يفرض عضلاته عليها، فيكون “سي السيد” الذي لا يُقهر، حتى لو كان تحقُق ذلك له عبر حبسها في المنزل، والامتناع عن الصرف عليها وجعلها تعيش معه في قحطٍ مُدقع حتى مع قدرته، هذا عدا عن تعريضها للحصة المعتادة اليومية من الضرب والتوبيخ والإهانة والشتيمة، فيما الزوجة في المقابل لو تمنعت عنه ورفضت أن تشارك الفراش مع من يمعن في إذلال جسدها وروحها، ستصفها تلك المرأة الأم بأنها ممن تلعنها الملائكة، وتسعر لها نار جهنم “عافانا الله سبحانه وتعالى وإياكم منها”.
من جملة ما لا يخفى على أحد، ما تلجأ إليه بعض النساء من استخدام خدمات ممارسي الدجل والشعوذة، إما لجلب الحبيب أو ربطه، أو للتفريق بين آخرين، والرغبة في الانتقام عبر ما يُسمى “بالعمل”، تراها في نظرها حلالاً، فالهدف مثلا أن تتزوج شخصاً ما، أو أن لا تدع زوجها يكرر التجربة ويجلب لها “الضرة”، قد تتوجه بعد ذلك لأداء العمرة والحج، وتتصدق وتزكي وتعمل الخير، في تضارب غريب في التفكير والحكم يتنافى مع العقل والمنطق والدين.
أما في الغيبة والنميمة، وهما لا يحتاجان للتفسير، فأكثر ما استرعى انتباهي هو وصف إحداهن له بالتظلم الحلال حين تمارسه، وليس غيبة محرمة، فالسيدة حين تجلس في كل مجلس وهي تنتقد “فلانة” تتظلم للآخرين مما فعلته بها، وهذا التظلم ليس جهة مسؤولة لرد حقها لها، وإنما لنساء مثلها في زيارتها، أو حتى لأنثى جاورتها صدفة ولم ترها من قبل أثناء انتظارهما لموعدهما مع طبيب الأسنان.
حديثنا عن مفهوم التدين لدى بعض إناثنا العرب يقودنا إلى التفكير لمعرفة سبب الخلل، فهل هو بسبب فهمٍ خاطئ للدين، يقوم على مبدأ “الحسنات يذهبن السيئات”، أم كونه بسبب عاطفية المرأة واهتمامها بالتفاصيل وغيرتها، وعدم استعدادها أبداً للتغاضي عما قد يكون خطرا عليها، أو ربما يشكل ذلك مستقبلاً، بخلاف الرجل الأقل ميلاً للتفاصيل والأكثر قدرة على “التطنيش”، أو ربما لخللٍ في فهمها لحقوقها وواجباتها التي أقرها عليها الدين، أو بسبب ثقافة مجتمعاتنا التي فرضت مفهوما معيناً للدين، وخصصته للمرأة، وعملت على تكيفها معه وتطبيقه.. الله أعلم.