محمد سيد احمد : قراءة في رؤية مثيرة لخبير غربي عن الواقع الحالي لشمال وجنوب السودان وما يجري في الصومال
> نقلاً عن الموقع الإلكتروني لصحيفة «لوس انجلس تايمز»، نشرت دورية «وايجست» الشهرية، الصادرة عن مركز سلام للدراسات الإستراتيجية بالخرطوم عن مارس الماضي، ترجمة لمقال مثير بعنوان (الاتجار بالسلام في إفريقيا)، كتبه المدير التنفيذي لمؤسسة السلام العالمية الخبير البريطاني الضليع في الشأن السوداني ألكس دي وال، ونشره الموقع الإلكتروني المشار إليه بتاريخ الثامن من مارس 2016، متناولاً فيه، برؤية غربية متميزة، الوضع الحالي لشمال وجنوب السودان، إضافة لما يجري في الصومال، حيث ذكر أن للسيناتور الجمهوري الأمريكي من القرن الميلادي التاسع عشر المنصرم مارك هانا مقولة مشهورة قال فيها حينها إن هناك شيئين كانا مهمان في السياسة والأول منهما هو المال بينما لا يتذكر ماذا كان الثاني.
> ويضيف ألكس دي وال أن هانا كان سيكون في المكان المناسب في السياسة الارتزاقية للسلام في إفريقيا والشرق الأوسط اليوم، حيث تعمد أحزاب سياسية وحركات متمردة، بل وحتى حكومات، نموذجاً تجارياً، وبينما لا يستطيع المال شراء أي شيء أو أي شخص، فإن أي سياسي سيسقط بسرعة على جانب الطريق دون تدفق النقد أو وجود مهارات إدارة أعمال حاذقة.
> ويشير الخبير الغربي الضليع الى أنه تعلم هذا الأسلوب الشاق كعضو في فريق وساطة الاتحاد الإفريقي الذي حاول وفشل في التوسط في مفاوضات السلام لإيقاف الحرب في دارفور قبل عقد من الزمان.
> ويضيف إن العصابة التي كانت تدير الحكومة السودانية آنذاك، كانت أقل اهتماماً بالأيديولوجية الإسلامية من اهتمامها بالمساومة حول آلية السلطة في إقليم تسوده الفوضى بدارفور، وكان المتمردون الدارفوريون يسامون في الحصول على أقصى ما يمكن من المدفوعات النقدية في ذلك الحين، ومن المؤكد أن بعضهم كان مهتم ببساطة بملء جيوبه، ولكن ذلك لم يكن فساداً بسيطاً، وقد كان الأكثر نزاهة بينهم يعرفون تماماً أنهم اذا تخلوا عن التمرد المسلح، من أجل الانخراط في الممارسة السياسية المدنية، فإنهم في حاجة لـ (ميزانية سيسية مالية) من أجل إدارة حملة انتخابية وللحصول على تحالفات مع الزعماء المحليين والزعماء المجاورين وشراء الخدمات الأخرى الضرورية لتسيير العمل السياسي المكتبي.
> ويضيف الخبير الغربي: نحن الغرباء نطلق على ذلك عملية صناعة السلام والانتقال الديمقراطي، أما بالنسبة للدارفوريين فقد كان الهدف هو تأمين ميزانية سياسية ليكونوا لاعبين في سوق السياسة، ولم يستطع فريقنا المكون من دبلوماسيين وخبراء تسوية نزاعات، إضافة الى داعمينا من وزارة الخارجية الأمريكية التوصل الى اتفاق، لأننا لم نكن نملك المال لشراء ذمم المتمردين الذين طالبوا بدفعيات مالية سياسية اذا كان عليهم أن يوقعوا على اتفاق للسلام!!
> ويشير الخبير الغربي الى أنه بالنسبة للحكومة السودانية حينها، فلم يكن اتفاق السلام التزاماً جاداً، ولكنه مساومة في السوق حسب شروطه في اليوم الذي يوقع فيه، وكان التفاوض على الاتفاق يُعاد في اليوم التالي عندما ترتفع أو تنخفض قيمة المتمردين، ولهذا فقد كنا في حالة تشوش!!
> ويضيف الخبير الغربي أن مدراء الأعمال التجارية السياسية، من الصحراء الى أفغانستان مروراً بسوريا والعراق واليمن والقرن الإفريقي، يستخدمون طريقة حسابية تجارية بسيطة لفهم ما يجري في حرب أو عملية سلام ويتكهنون بنتيجتها بناء على قواعد العملية التقريبية في السياسة الواقعية التي تُحسب فيها ثلاثة أشياء هي الميزانيات السياسية للاعبين، والسعر السائد للولاء ومهاراتهم التجارية. فهذه هي القواعد التي تخبرنا عن أية عملية سلام قد تنجح وأية عملية قد تفشل، بعيداً عن المؤشرات الاحصائية المعقدة لمؤشر الدول الهشة المعتمدة لدى مجلة السياسة الخارجية الأمريكية «فورن بوليسي».. التي علينا أن ننساها!!
> وفي سياق هذا الإطار للرؤية المثيرة والمستمدة من الخبرة الضليعة، يشير الخبير الغربي الى الوضع الحالي لشمال وجنوب السودان، إضافة الى ما يجري في الصومال، حيث تنبأ بأن اتفاقية جنوب السودان المبرمة مؤخراً بين حكومة جوبا والقوى المتمردة المناهضة لها في مقاومة مسلحة ستفشل. كما ذكر أن السلام في الصومال يشكل تحدياً بطريقة مختلفة، ومع أن الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود الغني بالمال حصل على دعم بكرم من المانحين الأجانب بما فيهم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، إضافة الى تقديم الدول الإفريقية المجاورة لقوات تعمل تحت راية الاتحاد الإفريقي لمحاربة التمرد المتطرف لحركة الشباب الصومالية، إلاّ أنه يعاني ويكابد لأن سعر الولاء مرتفع جداً في السوق السياسي الصومالي المفتوح وغير المنظم!!