كنت جد ناوي الرحيل
كان هذا في اول التسعينيات ؛ بين العام 1993 وربما الخيط المنتهي بالعام 1995 ؛ أذكر جيدا البوم غنائي لخالد الصحافة (كنت جد ناوي الرحيل) ؛ كان قد ذاع صيته وتمدد بين جبل الاستماع وسهل الالتقاط ؛ كانت هناك (حصاد) الرابضة عند منعطف جوار مطعم البربري ؛ كانت سيدة الانتاج الفني وقد علا مدخلها شعار عقفته من شكل حرف موسيقي لا تزال بعض اثاره قائمة لم تزول وان زال المشروع ؛
كانت هناك نمارق وعقد الجلاد بارديتهم الخضراء واختلاف المطالع ؛ كنت ايامها ولليالي متوالية اسوق خطاي راجلا ؛ ومترجيا فضل الظهر للوصول الي مقر وزارة الثقافة ؛ هناك تحولت قاعة لمسرح صغير يقدم فيه الاستاذ محمد السني دفع الله مسرحية (حكاية الطاهر ود السقا ) ؛ السقا ود السقا ؛ لا اذكر من كان الوزير يومها فقد تطاول الامد وزحفت السنوات علي تقاويم الزمان ؛ وقد دخل الوزارة فوج من الوزراء وخرجوا فما عاد الرائي يستبين اسم الوزير الذي سبق من الذي صدق ! كنت احب (السني) استقام شخصه بداخلي من فقرة (اصحاب اصحاب) بالتلفزيون القومي ؛ يوم ان كانت الشاشة عزيز قوم لا تكتحل به الا اعين قلة ؛
بعدها رايت السني في محطة التلفزيون الاهلية ؛ امتع دراما كوميدية طرحت لليوم ؛ كانت فقرات عفوية سطع فيه العميري واكتمل بدرا مع رهط من المسرحيين الشباب يومها ؛ امتعونا بغير هتافية واضحكونا بغير تصنع بئيس ؛ كنت يوميا اذهب لحضور مسرحية السقا ؛ كان نصا من حاضرة ابداع صنف مسرح الرجل الواحد ؛ كان (سني) الراوي والبطل ؛ صعد وهبط بابصار الحاضرين الشاخصة ومشاعرهم ؛ ورغم ان المسرح كان مصنعا بواقعية الممكن فقاعة صغيرة تحولت بالديكور والمؤثرات والاضاءة الموزعة بمهارة تحول المسرح الي منصة ابداع قدم فيها Mohmed Alsonni نص عمره وابداع حياته ؛ جلباب الساقي الحسير عند الركبة وعمامة مهترئة الاطراف علت راسه ؛ ادار الرجل النص بثنائية اندماج الصوت باحساس المشخصاتي ؛ شهدت في هذا العمل للسني بالحضور الذي ملأ فراغات الخشبة فكان رجل يصنع من نفسه حقلا من المشاركين ؛ كانت عندما تقابل تقاطيع السني انعكاسات الضوء تري مشهدا كانما استلت ملامح صاحبه من تعاريج عذابات رجل يساق للصلب والاوتاد علي كاهله كان العرق ينثال ليكتب نصوص الحكاية فيقرأ منها تفاصيل المشهد كمقرئ يراه البطل ولا يراه النظارة !
كل ليلة ومع اسدال الستار كنت والجمهور الذي يضيق به المكان كان ننتصب مثل الدراويش في حضرة صوفي ؛ لم نكن نصغق وحسب ؛ كنا نشعر باحمال السقا فوق اكتافنا ؛ فندور حول انفسنا نردد مع السني اناشيد الحضرة ، كان نصا فيه انفاس صوفية ؛ وروح انسان تحسسنا انفاسه من انفاس السني الذي يقف علي المسرح يستقبل تصفيقنا واهات استحساننا بعدها تلاشي الطاهر ود السقا ؛ غاب الرشيد احمد عيسي ثم هاجر واسلم عادل ابراهيم محمد خير نفسه لاوجاع لا تزول واكتفي اسامة سالم بعرضين لمأساة يرول التي اخذت مآساتها ورحلت ولا اعرف هل الاسم صحيح ام نصا مماثل حول الحرب والفجيعة ؛
ويحك يا محمد السني … لقد رايت صورتك مع ضياء الدين بلال فتحسست رقبتي اتفقد ندي حمل (القربة) علي كاهلي … سالت علي عنقي مثل الدم الان.
بقلم
محمد حامد جمعة
الأخ ود حامد جمعة
لا أدري سبب العداوة بين هذا القلم المبدع وهمزة القطع !!
ورحل الزمان يا أخي ….وغاصت الذكريات في أعماق الزمن …فلم يعد الزمان هو الزمان ولا المكان هو المكان ولا الناس هم الناس …
ولم تبق إلا تهاويم غبشاء تتراوح أمام أعيننا الحزينة
رحل العميري …ومن أتى بعده يحمل ذلك الفرح …لا أحد …فنان في كل مجال يقال فيه فن …صوت يهوم بك في فضاءات بكر …
وجه تنذرك وسامته بأنها لن تبق أمام عينيك طويلا …فرحل ….ووردت من بعده غثاثات تجعلك في غثيان سائر وقتك
رحل العميري …رحل