السودان ولبنان صنوان
عطفا على مقاليّ لليومين السابقين، اللذين تحدثت فيهما عن تدهور العلاقات بين السودان ولبنان بسبب فوز طفل لبناني بسيارة رولزرويس، كانت معروضة كجائزة من قبل مطعم للوجبات السريعة اشتريت منه مئات الوجبات بقرض ربوي، بينما فاز ذلك الوليد بعد ان اشترت أمه وجبة واحدة وحصلت على كوبون واحد.
عطفا على كل ذلك، أعود فأقول إن هناك أكثر من وجه شبه بين السودان ولبنان، أهمها طبعاً التشابه السجعي ولعنة الـ «ان» في نهاية الاسم، والألف والنون إذا اجتمعا في نهاية الاسم حكم عليه بالأعجمية ودخل في شواذ اللغة العربية وأحوالها الخارجية، فقد قال النحاة: كل ما انتهى بألف ونون من الأسماء فهو أعجمي: فستان، باذنجان الخ. وكان الكاتب اللبناني الساخر إبراهيم سلامة يقول أن ثمة شقاء سياسياً يطارد البلدان المنتهية أسماؤها بالحرفين المذكورين: أفغانستان، باكستان، لبنان، السودان وسواها. وعندما كتب هذه النظرية في مجلة «المستقبل» التي كانت تصدر من باريس، لم تكن قد انضمت إلى اللائحة الشيشان وأوزبكستان وكازخستان وزفتستان.
وقد يتحفظ متحفظ على التشبيه، إذ ماذا يجمع بين بلد عربي في عمق المشرق وبين بلد عربي يجر النيلين أمامه أو وراءه (وفق موقع جنابكم) عبر إفريقيا السمراء؟ بلد في حجم الكف وبلد مساحته مليون كيلومتر مربع، الحقيقة أن المجامع كثيرة (أولئك آبائي فجئني بمثلهم/ إذا جمعتنا يا جرير المجامع) وأهمها أن عدد السكان في البلدين لا يتناسب إطلاقاً مع عدد المهاجرين منهما، وقد كان اللبنانيون يعتقدون أنهم وحدهم لا يطيقون البقاء في «البلد الصغير» فإذا بالسودانيين يهجرون بالملايين البلد الكبير، وذات يوم كانت الليرة اللبنانية تساوي فرنكين فرنسيين وقبل تحول الفرنسيين من الفرنك إلى اليورو صار الفرنك الفرنسي يساوي 2500 ليرة… مع الرأفة.
جعلني كل ذلك استعيد واقعة كتبت عنها كثيرا تتعلق بكيف «اختلست» في مطلع ثمانينات القرن الماضي 250 جنيهاً، وكان ذلك المبلغ وقتها يساوي نحو 350 دولارا، وتحريا للدقة أقول إن الحكومة هي من حولت ذلك المبلغ إلى حسابي البنكي رغم أنني قدمت استقالتي من وظيفتي الحكومية وهاجرت إلى الخليج، وعندما اكتشفت الامر خاطبت الحكومة السودانية في أمر ذلك المبلغ واستعدادي لرده، اكتشفت أنه لم يعد يساوي واحدا على المائة من الدولار، ومنعني الحياء من الاستمرار في محاولات رد المبلغ إلى خزينة الدولة (وبصراحة فقد خشيت أن يتم اعتقالي إذا واصلت جهود رد المبلغ الذي أجبرتني حكومة بلادي على اختلاسه، بزعم أنني أريد أن أفضح الحال الذي تردت إليه العملة السودانية في ظل الحكم الرشيد).
ومن أوجه الشبه بين السودان ولبنان أن الصحف العربية في السنوات الأخيرة عاشت وازدهرت على شتم السياسيين لبعضهم البعض وحمل أطراف للسلاح في وجوه الآخرين في البلدين، وكما أصبح 250 جنيهاً لا يساوي ربع جنيه بأسعار الصرف في مطلع ثمانينات القرن الماضي، هكذا أصبحت كلمات مثل «النضال» «الكفاح» و«الهم القومي» تعني العمل للبقاء في السلطة أو لإبعاد الآخرين عنها أو للعودة إليها.
و«المصالحة الوطنية» في الخرطوم مثل «الوفاق الوطني» في بيروت: عناق اليوم و«خناق» عنيف غدا، وهناك تبادل التوصيفات والنعوت. والتسابق على كشف «الحقائق»، وفي غضون ذلك يغادر نحو مليوني سوداني إلى الخليج وحده، ويهجر لبنان كل شهر 15 ألف خريج من ألمع الكفاءات.
وأوجه الشبه لا نهاية لها. وذلك يسعد على الأقل المراسلين في العاصمة السودانية المثلثة، وفي بيروت، لأنهم الفئة الوحيدة التي لا تخشى الوقوع في البطالة بفضل هذا النوع من السياسيين.
وتكدس الاوساخ والقمامة في الشوارع من اوجه الشبة ايضا