د. غازي صلاح الدين : عودة الصادق المهدي ستضعف المعارضة الخارجية و تطبيع السودان علاقته مع المجتمع الدولي سينقله نقلة نوعية
لسنا وسطاء بين المعارضة والحكومة
ما نتفق عليه لا بد أن يكون مودعاً في الدستور
تطبيع السودان علاقته مع المجتمع الدولي سينقله نقلة نوعية
محتاجون لتأسيس مجلس تشريعي جديد
عودة الصادق المهدي ستضعف المعارضة الخارجية
نتعامل مع قوى، وندرك تماماً أنهم خصوم سياسيون
ورقة الحكم التي قدمها (الشعبي) في الحوار الوطني أعدت بصورة جيدة
قادة الحركات المسلحة بحكم خبرتهم يتمتعون بذكاء سياسي كبير
الحكومة محتاجة للحوار، ونحتاج لتوقيع وختم الرئيس
يمكن للسودان أن يتعامل بفاعلية مع القوى الإقليمية
إن اختلفت مع دكتور غازي صلاح الدين رئيس حركة الإصلاح الآن، إلا أنك لا تملك غير أن تحترم آراءه ومواقفه التي تأتي تأكيداً على أن صاحبها يتمتع بكاريزما القائد السياسي الذي يعرف ماذا يريد. وكيف يحقق ذلك عبر تخطيطه.. فالرجل عندما قاد ثورة الإصلاح بالحزب الحاكم أخرجوه هو والذين معه، فجاء تأسيسهم للإصلاح الآن بغية إرساء مفاهيم جديدة، ووضعهم بصمات في خارطة السياسة السودانية، وفي الأخيرة قاد الرجل وحزبه مبادرات وتحالفات سياسية عديدة في الساحة، كان آخرها تحالف قوى المستقبل والذي كان ميلاده في فبراير الماضي كمنظومة جديدة من التحالفات المعارضة ويضم «41» حزباً تمثل ثلاثة كيانات “تحالف القوى الوطنية”، و”القوى الوطنية للتغيير ـ قوت” و”أحزاب الوحدة الوطنية”. ظهر أمس حملت عدداً من قضايا الراهن السياسي ووضعتها بين يدي الرجل، فجاءت إفاداته التالية في جزئها الثاني والأخير.
*المعارضة تحمل تكوينات مختلفة فكرية.. ألا ترى بأن التوحد صعب في ظل تلك الآيدلوجيات المختلفة؟
– ليس بالضرورة أن يكون هناك توحد تنظيمي، وهذا ليس مطلوباً الآن، لأن البشر سيظلون مختلفين، ولكن أن يتفقوا سياسياً أو إجرائياً هذا أمر وارد، وهذا بالضبط ما نفعله نحن، فنحن الآن نتعامل مع قوى وندرك تماماً أنهم خصوم سياسيون، وفي يوم من الأيام إذا جاءت الديمقراطية والتنافس الحزبي الحر ستكون بيننا وبينهم خلافات، ولكن ما يجمعنا في هذه اللحظة هو هم مشترك، أناً دائماً ما أمثل هذه المسألة بالطائرة، نحن نركب في الطائرة أحزاباً شتى وأهواء شتى، لكن لدينا مصلحة جميعاً في أن تصل الطائرة إلى مطار الوصول النهائي بسلام، وهذا ما نريده نحن الآن، هي عملية هبوط اضطراري أو طبيعي إلى أن نهبط بسلام، ومن ثم تنشأ الخلافات، ولكن إذا لم نؤسس لنظام سياسي، محكوم بنصوص دستورية وبضمانات، وبحدود تشريعية معروفة، لن نستطيع أن نقيم نظاماً ديمقراطياً.
*كيف تضمنون أنتم في قوى المستقبل أن الرئيس سوف ينفذ مخرجات الحوار؟
-أولاً نحن نحتاج إلى ختمه وتوقيعه هو قبل أن نتحدث عن الاتحاد الإفريقي، ولابد أن يكون ذلك مودعاً في الدستور، بمعنى أنه لابد أن يترتب على ما نتفق عليه تعديلات دستورية نشرف عليها جميعاً، ولذلك قضية المجلس الوطني قضية مهمة جداً، بمعنى هل سنبقى لتطبيق الاتفاقية بالمجلس القائم الآن، نحن محتاجون لتأسيس مجلس تشريعي جديد، هذه مسألة مهمة جداً، وإلا لا معنى لكل هذا الجهد القائم الآن الذي يختلف الناس حوله ويشتجرون، لا معنى أصلاً لهذا الكلام إن كانت في النهاية قضية الضمانات هي قضية غيبية، قائمة على أساس أن الضمان عند الله، صحيح هذا ضمان حقيقي، ولكن نحن نريد ضماناً من البشر الذي يخلف المواثيق.
*أنت متفائل بأن الحكومة فعلاً تريد أن تصل إلى نهايات في الحوار؟
– لا أستطيع أن أحكم بالعاطفة بأنها ترغب ولكنها محتاجة للحوار.
*أنا أسألك بصفتك خير من يعلم هؤلاء القوم؟
-أعتقد أنهم يريدون عدة أشياء، هم يريدون الوصول إلى سلام يعطي مشروعية، بمعنى أن تحسم قضية المشروعية هذه لأن الحكومة ظلت لأكثر من عشرين عاماً تسعى جادة لتأسيس مشروعية، لأنه لا حل للمشكلات القائمة الآن التي تشكل سبباً من أسباب التعرية في تأييد الحكومة، وحتى الفصائل التي أيدتها بداية أكثر من قضية المشروعية، القضايا المعلقة الآن مثلاً قضية الاقتصاد التي لن تحل إطلاقاً إلا إذا تصالح السودان مع المجتمع الاقتصادي الدولي، وسنبقى في مشكلة أننا لن نستطيع أن نستورد ذرة ولا قمحاً ولا حتى الصابون إلا بإجراءات معقدة جداً، والاقتصاد أصبح اقتصاداً نقدياً، أنت تشتري الدولارات وتكمل عملية استيراد بسيطة.
* لنفترض أن السلام أتى كيف تحل مسألة الاقتصاد والدولار في ارتفاع عالمياً وفصل الجنوب أذهب منا عائدات البترول.
أنت الآن جزء من المشكلة، أنت تمر بإجراءات معقدة جداً لإتمام صفقة تجارية محددة جداً، الآلية الأفريقية وأمبيكي لهم تصور في ذلك، انتم تذكرون عندما ذهبوا إلى واشنطون لنقاش هذه المسألة مع صندوق النقد الدولي، والمؤسسات المالية الدولية، ولو أن السودان حل مشاكله الداخلية فسوف يطبع علاقاته مع المجتمع السياسي الدولي والمؤسسات المالية، وسيكون له تأييد من الأمم المتحدة، ومن الاتحاد الأفريقي ومن القوى الإقليمية الأخرى. وفي الحقيقة هذا سينقل السودان نقلة نوعية، وليس نقل درجة، حتى الآن الاتفاقيات التي وقعتها الحكومة هي نقلات درجة، وليست نقلات نوع، ولكن إذا حدث تصالح وحدث اتفاق في هذه القضية بالذات فسيكون الانتقال نوعياً.
*واشنطون قالت إنها ستقف مع الحوار، وستضغط على قوى المعارضة، ما هي مصلحة البيت الأبيض ليضغط على المعارضة؟
– من قراءاتي لكثير من الأوراق والوثائق التي تخرج من مراكز التفكير، أعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية توصلت إلى أن سياسة العقوبات القديمة غير مجدية لأنها استنفدت عائداتها، وظهر هذا في تعاملها مع بعض القوى مؤخراً، وإلا فإن كوبا أشد تمترساً خلف الفلسفة الماركسية من تمترس السودان على عقيدته السياسية، ولكن هناك عمليات تصفية وإزالة عهدة قديمة كان يمكن أن يستفيد منها السودان، فالولايات المتحدة الأمريكية تدرك أن السودان من واقع الأحداث حوله هو قوة مهمة، وبدأ هذا يظهر في بعض التقارير التي كانت في الماضي تتحدث عن السودان بعدوانية، والآن تتحدث بأن السودان لا يمكن تجاوزه في المنطقة، وأنا أحيلكم إلى تقرير مجموعة الأزمة الدولية الذي صدر مؤخرًا، وأحيلكم أيضاً إلى محاضرة (برستون ليمان) التي أشار فيها إلى أن دولتي الصين والسودان سيكون لهما دور جوهري في عملية الضغط على دولة جنوب السودان، إذن الآن ينظر إلى السودان نظرة مختلفة باعتبار أنه فاعل محتمل في المنطقة.
*فاعل إيجابي أم فاعل سلبي؟
– يمكن أن يكون فاعلاً إيجابياً، ويمكن أن يكون سلبياً، مثلاً في قضية داعش والإرهاب والعلاقات الإقليمية واستقرار دول المنطقة مثل ليبيا وسوريا واليمن، هذه كلها مناطق في حدود نفوذ السودان، الآن السودان ينظر إليه باعتبار أنه يمكن أن يكتسب صورة جديدة ودوراً جديدًا ومشروعاً سياسياً جديداً يمكن أن يتعامل بفاعلية مع القوى الإقليمية .
*لا شك أنكم اطلعتم على ورقة الحكم التي قدمها المؤتمر الشعبي في حوار قاعة الصداقة، هل تمثل حقاً كما قال المراقبون انقلاباً أبيض؟
– هي ورقة معدة بصورة جيدة جداً، وأنا أعجبت بها جداً عندما قرأتها، وليس لدينا مزيد عليها سوى أن نضيف ما ذكرناه من إجراءات، لابد من معالجة جذرية للمجلس التشريعي، لأن كل الذي نتحدث عنه لن يتم إلا بتشريعات وتعديلات دستورية.
*كيف نعالج مسألة المجلس التشريعي، بالانتخابات أم بالتعيين كما في مجلس ما بعد نيفاشا؟
– يمكن أن يكون بالتعيين، لا أعتقد أن قضية الانتخابات واردة الآن لأنه لا توجد أجواء حقيقية للانتخابات، لكن بالتوافق والتعيين، ومن خلال الاتفاقية نفسها تكون هناك إعادة تشكيل للمجلس الوطني من خلال صيغة يتفق عليها.
*إذن أنتم تدعون في قوى المستقبل إلى حل المجلس الحالي؟
-ندعو إلى إعادة تكوين المجلس الحالي بحيث يكون بنسب متفق عليها، وأن يكون فاعلاً ويتضمن ذلك حلاً وتركيباً، وهذا شيء إجرائي ليس بالصعب، نحن نريد مجلساً يعبر أكثر عن جموع الأمة واجتماع الرأي وليس مجلساً أحادياً، هو الآن أحادي طبعاً، لأن الانتخابات خاضها المؤتمر الوطني لوحده بالأساس وبالتالي ليس له المشروعية، لأن يكون مجلساً يمثل كل السودان وكل القوى السياسية، هذه مسألة ضرورية جدًا فإذا كان هناك مثلاً في الأشياء التي نضعها في الضمانات مفوضية لمتابعة الاتفاقية، هذه المفوضية من الذي يعينها، لابد أن تكون بالشراكة بين رئيس الجمهورية والمجلس الوطني كعامة المفوضيات، هل القرار الآن الصادر من رئيس الجمهورية وهو رئيس المؤتمر الوطني، والمجلس الوطني المحتكر تماماً من المؤتمر الوطني، هل سيكون هذا يمثل أي شكل من أشكال الإجماع الوطني، الإجابة هي لا طبعاً، وإذا لم توجد هذه الآلية الضرورية وهي مجلس وطني مدعوم ومؤيد وممكن من السلطات وبتكوين متوازن لن تكون هناك فائدة.
*هناك بعض القوى السياسية تخشى من دخول قوى المستقبل في المشهد خوفاً من إقناعها لبعض الأطراف في المعارضة أو خشية أن تلعب أيضاً دور الوسيط كإقناع المهدي مثلاً؟
– من حيث قولك إن قوى المستقبل هي فاعل أساسي قوي ومؤثر للغاية فهذا حقيقة، وجزء من سبب هذه الحقيقة أنها حوت أحزاباً على رأسها شخصيات قيادية لها خبرة طويلة في العمل السياسي، إضافة إلى أنها حوت تنوعاً، أنت تجد أنواعاً مختلفة داخل تحالف قوى المستقبل للتغيير، وليست الأشكال النمطية التي كانت في السابق، الأمر الآخر هو أن هذه القوى نزلت بحماسة واندفاع للتأثير على الساحة السياسية إيجاباً ولذلك أقمنا علاقات، نحن لسنا وسطاء بين المعارضة والحكومة نحن نقدم مقترحاتنا، فإن كانت متعلقة بالحكومة نقدمها للآلية، وإن كانت لدينا مقترحات للمعارضة نطرحها للمعارضة مباشرة، ولسنا بصدد التأثير على الإمام الصادق مثلاً، لأن يعود إلى السودان لأن هذا يحدث خللاً في المعادلة السياسية أو معادلة القوى بين المعارضة والحكومة.
*من أي ناحية تحدث عودة الصادق المهدي خللاً؟
– حتى لو عاد السيد الصادق المهدي بروح عدائية ستضعف المعارضة الخارجية في نظري، ولذلك هم ينظرون إلى هذه المسألة بدرجة عالية من الحساسية، ونحن نقدر هذه الحساسية، ولذلك نحن لا نتدخل في هذه المسألة، ولا نقول له عد أو ابقَ ولكن إذا حدث خلاف بين قوى المعارضة، سنكون سعيدين ومهتمين بأن نساهم في علاج المشكلة.
*جلستم مع الحركات المسلحة في نظركم أي الحركات أقرب للتفاهم مع قوى المستقبل؟
– هم بخبرتهم الآن يتمتعون بذكاء سياسي كبير، وفي اعتقادي لهم لم يتركوا لنا فرصة للتمييز بينهم، نحن التقينا بهم جماعة عندما كانوا تنظيماً واحداً، ونلتقي بهم الآن أفراداً، ولكن هم حريصون على أن يرسلوا لنا نفس الرسالة، وبالتالي نحن نترك خياراتنا مفتوحة..
حاوره: عطاف عبد الوهاب
صحيفة الصيحة