تحقيقات وتقارير

تفاصيل مثيرة في قصة تسريب الامتحانات

لم تكن المعلمة “منجدة الريح إبراهيم” تعلم أن توقيف أحد الطلاب الأجانب في حالة غش، ستقود لكشف أول خيوط خلية أجنبية تمارس الغش في امتحانات الشهادة السودانية نظير مبالغ محددة.
(المجهر) حصلت على التفاصيل الدقيقة لقضية الغش في امتحانات الشهادة الثانوية من قبل طلاب أجانب أثارت جدلاً كثيفاً ودهشة الرأي العام، إذ لعلها المرة الأولى في تاريخ السودان التي يحدث فيها هذا الأمر مما أربك أجهزة الدولة وأثار دهشة الرأي العام والطلاب ووزارة التربية وأولياء الأمور، وذهب البعض إلى أن الامتحانات تم تسريبها لكن معلومات جديدة تحصلت عليها الصحيفة، قطعت كل التكهنات والتخمينات، ووقفت على القصة الحقيقية بالتفاصيل المثيرة .
أصل الحكاية
انكشفت خيوط اللعبة منذ أول يوم في امتحان الشهادة بجلوس الطلاب لأداء مادة التربية الإسلامية في مركز الامتحانات في مدرسة “علي السيد” بنين بأركويت، إذ يجلس (224) طالباً بينهم (27) طالباً أردنياً و(18) مصرياً وبقية الطلاب سودانيون، ولاحظ أحد معلمي المراقبة طالباً أردنياً قبل بدء جلسات الامتحان في اليوم الأول وهو يرتدي سماعات أذن كبيرة (بوصلات)، وهو خارج قاعة الامتحان ونزع المعلم السماعات وأمره بدخول القاعة بدونها. وطالب آخر ضبط أيضاً في ذات الامتحان ومر اليوم عادي بسبب عدم ضبط حالة غش وعدم تمكن الطلاب من استخدام الأجهزة حسب إفادة معلم بالمركز شاهد على الواقعة، بعد زيارة قامت بها (المجهر) إلى المدرسة لحضور تكريم الأستاذة “منجدة الريح” التي أفلحت في ضبط حالة غش الكتروني. وأكد تكرار الواقعة في يوم امتحان مادة الأحياء حيث ضبطت الأستاذة المراقبة “منجدة” طالباً يرتدي سماعات ويحمل جهازاً غريباً، وعندما بدأت في تفتيشه اكتشفت وجود إجابات محلولة لمادة الأحياء في رسالة (موبايل) قبل (25) دقيقة من نهاية الزمن. وأوقفت الطالب فوراً وأبلغت الكنترول بالمركز وتم إبلاغ رئيس اللجنة الفرعية واستدعاء أفراد الحماية والأمن وإدارة الامتحان ليشهدوا على الواقعة، وتم رفع تقرير بما حدث وبعدها تم كشف حالات غش أخرى لطلاب أردنيين ومصريين في مراكز أخرى بولاية الخرطوم، بلغ عددهم (117) وتم التحفظ عليهم والتحقيق معهم ليتم الكشف عن خلية كبيرة يديرها أردنيون وتورط فيها طلاب مصريون .
ووصلت البلاد وزيرة الدولة للهجرة وشؤون المصريين بالخارج “نبيلة مكرم” لبحث تداعيات أزمة الطلاب المصريين المحتجزين، وللوقوف على آخر المستجدات للقضية، واطلعت على المستندات التي أثبتت الواقعة. وأكدت الوزيرة عقب لقائها وزيرة التربية والتعليم “سعاد عبد الرازق” احتجاز السلطات الأمنية السودانية لعدد (62) طالباً مصرياً، على خلفية اتهامهم بعمليات غش جماعي وتسريب لامتحانات الثانوية السودانية.
تكريم للمعلمة “منجدة”
قال مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني الفريق أول “محمد عطا المولى”، إن الشهادة السودانية ما زالت بخير وقطع بعدم تضررها بأي سبب. وأشاد خلال الاحتفال العفوي بمدرسة “علي السيد” الثانوية لتكريم الأستاذة “منجدة الريح إبراهيم” التي أسهمت في كشف الطلاب الذين حاولوا الغش وتسريب الامتحانات والذي نظمته وزارتا التربية والتعليم الاتحادية والولائية وجهاز الأمن والمخابرات، بحضور وزيرة التربية والتعليم الاتحادية “سعاد عبد الرازق” ود. “فرح مصطفى عبد الله” وزير التربية والتعليم في ولاية الخرطوم، والفريق أول “محمد عطا المولى” مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني، والدكتور “السر الشيخ” وكيل وزارة التربية والتعليم الاتحادية والدكتور “فتح الرحمن فضل المولى” المدير العام للتعليم بولاية الخرطوم. وقال مدير جهاز الأمن والمخابرات، إن الشهادة السودانية ما زالت بخير وقطع بعدم تضررها بأي سبب. وأثنى “عطا المولى” على المعلمين والعاملين في التعليم وعلى جهودهم المبذولة في الحفاظ على سلامة وتنفيذ الامتحانات، مشيداً بالأستاذة “منجدة” التي قال إنها ضربت أروع الأمثال في أداء المهام الموكلة إليها بأمانة وتجرد ووعي. وأكد أن تكريمها تكريم للمرأة السودانية وتكريم للمعلمات الحاذقات. وأشار “عطا” إلى أنه رغم الظروف والمواقف والتحديات التي مرت أثبتت “منجدة” أنها سودانية أصيلة وأثبتت المسؤولية تجاه مهنيتها، والأمانة التي حملتها بأنها تقف أمام طلاب ممتحنين يتنافسون تنافساً شريفاً. وأشاد “محمد عطا” بالمعلم السوداني، وقال إنه جدير بالثقة، مؤكداً أن المعلمين ظلوا شركاء في كل الملاحم والمشروعات الوطنية، كالانتخابات والإحصاء السكاني. وأشاد بالطلاب السودانيين، الذين بذلوا جهدهم ووقتهم في التحصيل الأكاديمي ولم يلتفتوا للإشاعات وتميزوا بالأخلاق الشريفة والمثل الرائعة.
ووجه الدكتور “فرح مصطفى” وزير التربية بترقية الأستاذة “منجدة” ترقية استثنائية من حكومة ولاية الخرطوم، وطالب الهيئة النقابية لعمال التعليم بولاية الخرطوم بتكريمها تكريماً يليق بها، كما وجه بتهيئة بيئة مدرسة “علي السيد” الثانوية بنين لتصبح مدرسة رائدة ذات بيئة جاذبة.
وأكدت وزيرة التربية والتعليم “سعاد عبد الرازق” تفرد تجربة إدارة امتحانات الشهادة السودانية، مؤكدة بأنها عصية على التشويش، مشيرةً إلى تطبيق اللوائح ومحاسبة الذين حاولوا الغش في الامتحانات والتجني عليها.
الامتحانات لوحة شرف
واعتبرت الوزيرة الامتحانات في السودان لوحة شرف، مؤكدة على سمعتها العالية بين الدول الأخرى، مشيرة إلى أن الشهادة السودانية تباع في الخارج بنسب أعلى باعتبارها الأفضل، لافتة لوجود لائحة وضوابط للامتحانات وطمأنت أولياء الأمور بأن الشهادة السودانية بخير وستمضي للأمام .
وحددت الوزارة (الخميس) الموافق السابع من أبريل لبدء أعمال الكنترول على أن تبدأ إجراءات التصحيح يوم (السبت) الموافق السادس عشر من أبريل، فيما انعقد مجلس امتحانات السودان برئاسة وكيل الوزارة د.”السر الشيخ” بحضور وزيرة التربية وكافة أعضاء المجلس من الخبراء التربويين والمستشارين من داخل وخارج الوزارة، والأجهزة النظامية، الأمن والمخابرات الوطني وقوات الشرطة والقوات المسلحة. واستعرضت خلال الاجتماع التقارير الفنية والأمنية لامتحانات الشهادة الثانوية خلال مراحلها المختلفة. وأمن أعضاء المجلس على سلامة الإجراءات المتبعة في جميع هذه المراحل وأوصى اجتماع المجلس بتشكيل لجنة فنية من الخبراء والمختصين لمراجعة اللائحة التي تحكم جلوس الطلاب الأجانب لامتحانات الشهادة الثانوية، وتطبيق أحكام لائحة امتحانات الشهادة الثانوية بكل صرامة على أي طالب يضبط في حالة غش أو سوء سلوك، بجانب توفير العدالة التربوية في مرحلة التصحيح للطلاب الأجانب الذين لم يتورطوا في حالات الغش أو سوء السلوك، وإحكام التنسيق بين التعليم العام والتعليم العالي حول شروط ومعايير قبول الطلاب الأجانب في مؤسسات التعليم العام والعالي.
احتجاز الطلاب المتورطين
وكانت وزارة التربية والتعليم العام أعلنت التحفظ على (117) طالباً أردنياً ومصرياً بسبب الغش في امتحانات الشهادة الثانوية، في مادة اللغة العربية باستخدام الهواتف الذكية. وأكدت الوزارة عدم رصد أي تجمعات لأي طلاب سودانيين أو الاشتباه في حالات غش وسط الطلاب السودانيين. ونوهت إلى أن الطلاب الأجانب امتحنوا في مدارس خاصة بعيدة عن مراكز الطلاب السودانيين، وقطعت الوزارة بعدم وجود أي اتجاه حتى الآن لإعادة الامتحانات، وأعلنت الوزارة حرمان الطلاب الأجانب الذين تورطوا في حالات الغش من الامتحانات، وعدم الجلوس مرة أخرى، والاتجاه لوضع ضوابط وموجهات لجلوس الأجانب للامتحانات، ويتم رفعها إلى مجلس الوزراء. وقال مدير الإدارة العامة للإعلام بوزارة التربية والتعليم “عبد الهادي دياب الحاج”، إن طيلة فترة الامتحانات كان هناك استقرار وهدوء لطلاب الشهادة السودانية. وأكد فتح بلاغات في مواجهة الطلاب المتورطين واستمرار التحقيقات. ووصف حالات الغش بأنها في إطار محدود وسط الأجانب وليس لها علاقة بالطلاب السودانيين، لافتاً إلى أنه يتم عادة التقديم للأجانب في الملحقيات الثقافية في السفارات بالخرطوم، ويتم دراسة ملفات الطالب لمعرفة استيفاء الشروط حسب العلاقات بين الدول. وقال في إطار اللجنة العليا للامتحانات أوكل لوزارة الخارجية الرد والتعامل في هذا الشأن، باعتبار أن وزارة التربية جهة فنية.

المجهر