د. عارف عوض الركابي : التبرج في ازدياد.. والإهمال يتضاعف!!
للأسف تزداد مظاهر التبرج في مجتمعنا، للأسف فإن المظهر السيئ بات يغطي كثيراً من الشوارع والأسواق والجامعات وأماكن التجمعات العامة والخاصة!! وأما الشواطئ والكثير من محلات بيع الشاي!! وأماكن الحفلات والرحلات فجنون وانفلات!! إلى أين نسير؟! وإلى أين تتجه هؤلاء الفتيات؟! وأين هم أولياء أمورهم؟! عمّ البلاء واتسع الخرق على الراقع وعجز المصلحون واحتارت عقولهم فإنا لله وإنه راجعون.
فأرجو أن تصل هذه الرسالة لمن أرغب في وصولها إليهم فأقول:
أيتها الفتاة المتبرجة «الضائعة» : «إن المرأة إذا تبرجت وتكشفت للرجال – غاض ماء وجهها، وقل حياؤها، وسقطت من أعين الناس، وكان عملها هذا دليلاً على جهلها وضَعْفِ إيمانها ونقصٍ في شخصيتها، وهو بداية الضياع والسقوط لها، وهي بتبرجها وتكشفها تنحدر بنفسها إلى مرتبة أدنى من مرتبة الإنسان الذي كرمه الله وأنعم عليه بفطرة «حب الستر والصيانة»، كما أن التبرج والسفور ليس دليلاً على التحضر والتحرر كما يزعم أعداء الإسلام ودعاة الضلالة، وإنما هو في الحقيقة انحطاط وفساد اجتماعي ونفسي، ودعوة إلى الفاحشة والفساد، وهو عمل يتنافى مع الأخلاق والآداب الإسلامية، وتأباه الفطر السليمة. ولا يمكن أن تعمل هذا العمل إلا امرأة جاهلة قد فقدت حياءها وأخلاقها؛ لأنه لا يتصور أبداً أن امرأة عاقلة عفيفة يمكن أن تعرض نفسها ومفاتنها هذا العرض المخجل والمخزي للرجال في الأسواق والطرقات وغيرها دون حياء أو خجل»!!
ويا ولي أمر الفتاة المتبرجة «التائه»: «إنه لم تفسد أكثر النساء ولم تصل إلى هذا الحد من التبرج والسفور والتهاون بدينها وحجابها إلا بسبب تهاون بعض الرجال مع نسائهم واستهتارهم بدينهم وفقدهم لنخوة الرجال وغيرتهم، وعدم نهيهن عن مثل هذه الأعمال. فكم يا ترى فقد بعض الرجال من رجولتهم حتى أصبحوا أشباه رجال لا رجالاً!! فويل ثم ويل لأولئك الذين لا يعرفون كرامتهم، ولا يحفظون رعيتهم، ولا يحسنون القيام على ما استرعاهم الله من النساء، ولقد توعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من فرّط في حق رعيته فقال: «ما من راع يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة» متفق عليه، ويا له من وعيد عظيم!! نسأل الله تعالى السلامة والعافية.
وليتق الله امرؤ من أب أو ابن أو أخ أو زوج ونحوهم، ولاّه الله أمر امرأة أن يتركها تنحرف عن الحجاب إلى السفور، ومن الاحتشام إلى الاختلاط، والحذر من تقديم أطماع الدنيا وملاذّ النفوس على ما هو خير وأبقى من حفظ العِرض، والأجر العريض في الآخرة.
إن من المعلوم أن العمل المتوارث المستمر من عصر الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم حجة شرعية يجب اتباعها، وتلقيها بالقبول، وقد جرى الإجماع العملي بالعمل المستمر المتوارث بين نساء المؤمنين على عدم خروجهن أمام الرجال إلا متحجبات غير سافرات الوجوه ولا حاسرات عن شيء من الأبدان، ولا متبرجات بزينة ، واتفق المسلمون على هذا العمل، المتلاقي مع مقاصدهم في بناء صرح العفة والطهارة والاحتشام والحياء والغيرة ، فمنعوا النساء من الخروج سافرات الوجوه، حاسرات عن شيء من أبدانهن أو زينتهن، والنصوص الشرعية الواردة في الكتاب والسنة في ذلك كثيرة جداً وليس هذا المقال مجالاً لبسطها، ولكن لمجرد الإشارة أقول:
عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا حاذَوا بنا سَدَلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه». رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والدارقطني والبيهقي وصححه الألباني.
هذا بيان من عائشة رضي الله عنها عن النساء الصحابيات المحرمات مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن واجبين تعارضا، واجب تغطية الوجه على المؤمنة، وواجب كشفه على المحرمة، فإذا كانت المحرمة بحضرة رجال أجانب أعملت الأصل وهو فرض الحجاب فتغطي وجهها، وإذا لم يكن بحضرتها أجنبي عنها كشفته وجوباً حال إحرامها، وهذا واضح الدلالة بحمد الله على وجوب الحجاب على جميع نساء المؤمنين.
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت: «كنا نغطي وجوهنا من الرجال وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام» رواه ابن خزيمة والحاكم وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.. وقد تقدمت بعض الأدلة في حلقتي «شنشنة حول النقاب».
كما أن هذا التبرج محرم في الشريعة الإسلامية ولتعلم المرأة أنها آثمة عاصية لله تعالى بذلك وقد ارتكبت سبباً من أسباب غضب الله تعالى وسخطه عليها، وكل آيات ضرب الحجاب وفرضه على أمهات المؤمنين ونساء المؤمنين ونهيهن عن إبداء الزينة نصوص قاطعة على تحريم التبرج والسفور.
وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صنفانِ من أهل النار لم أرهما: قومٌ معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات، رؤوسهن كأسنمة البخت، لا يدخلن الجنة ولا يَجِدْن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا» رواه مسلم في صحيحه. وهذا نص فيه وعيد شديد، يدل على أن التبرج من كبائر الذنوب؛ لأن الكبيرة: كل ذنب توعد الله عليه بنار أو غضب أو لعنةٍ أو عذابٍ أو حِرمانٍ من الجنة. وقد أجمع المسلمون على تحريم التبرج، وكما حكاه العلامة الصنعاني وغيره من أهل العلم.
و هذه توصيات اقتبستها من كتاب«حراسة الفضيلة» للدكتور بكر أبو زيد رحمه الله:
1 / على مَن بسط الله يده إصدار الأوامر الحاسمة للمحافظة على الفضيلة من عاديات التبرج والسفور والاختلاط، وكفُّ أقلام الرعاع السُّفوريّين عن الكتابة في هذه المطالب، حماية للأمة من شرورهم، وإيقافاً لهم عند حدهم. وإيقاف المتبرجات عند حدهن، لأنهن شراك للافتتان، وهن أولى بذلك من الشاب الذي يتعرض لهن، إذ هي التي أغرته فَجَرَّته إلى نفسها.
2 / على العلماء وطلبة العلم والدعاة بذل النصح، والتحذير من قالة السوء، وتثبيت نساء المؤمنين على ما هن عليه من الفضيلة، وحراستها من المعتدين عليها، والرحمة بهن بالتحذير من دعاة السوء، عبيد الهوى.
3 / على كل مَن ولاه الله أمر امرأة من الآباء والأبناء والأزواج وغيرهم، أن يتقوا الله فيما وُلُّوا من أمر النساء، وأن يعملوا الأسباب لحفظهن من السفور والتبرج والاختلاط، والأسباب الداعية إليها، ومن دعاة السفور. وليعلموا أن فساد النساء سببه الأول تساهل الرجال.
4 / على نساء المؤمنين أن يتقين الله في أنفسهن، وفي مَن تحت أيديهن من الذراري، بلزوم الفضيلة، والتزام اللباس الشرعي والحجاب بلبس العباءة والخمار، وأن لا يمشين وراء دعاة الفتنة وعشاق الرذيلة.
5 / على الكتاب وبعض الصحافيين وكل من كتب ويكتب في هذا الموضوع بما يخالف الشريعة عليهم التوبة النصوح، وأن لا يكونوا باب سوء على أهليهم، وأمتهم، وليتقوا سخط الله ومقته وأليم عقابه.
6 / على كل مسلم الحذر من إشاعة الفاحشة ونشرها وتكثيفها، وليعلم أن محبتها لا تكون بالقول والفعل فقط، بل تكون بذلك، وبالتحدث بها، وبالقلب، وبالركون إليها، وبالسكوت عنها، فإن هذه المحبة تُمَكِّن من انتشارها، وتُمَكن من الدفع في وجه من ينكرها من المؤمنين، فليتق الله امرؤ مسلم من محبة إشاعة الفاحشة، قال الله تعالى: «إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليمٌ في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون».